لم يعرف المسلمون على مدى تاريخهم الكسل في شهر رمضان، ولم يعتادوا قط في عصورهم التي سلفت أن رمضان شهر نوم وكسل أبداً، بل لعلي أتذكر معكم معارك الاسلام الكبرى التي كانت في رمضان وكثير من المجاهدين صائمون، وأعظم غزوات الاسلام قاطبة، والتي كانت فاتحة انتصارات الاسلام التي توالت، أعني غزوة بدر الكبرى، كانت في السابع عشر من رمضان، وهي التي مهدت الطريق لانتصارات هذا الدين بعد ذلك في كل حرب دخلها أهله إلا ما ندر، تلاها غزوة فتح مكة، وهي أهم غزوة بعد بدر وكانت في شهر رمضان أيضاً في الثالث والعشرين منه، ثم أتى من المسلمين بعد ذلك من عرفوا للشهر فضله ولم يركنوا فيه للراحة، ونصروا فيه الاسلام كما فعل أوائلهم، فهذه معركة حطين واسترداد بيت المقدس من أيدي الصليبيين بيد القائد المسلم البطل صلاح الدين الايوبي، كانت في رمضان أيضاً، وكذا استرداد القدس أولاً على يده، وفي رمضان سنة 658هـ كانت معركة عين جالوت، وكانت هزيمة المغول في قرية قريبة منها على يد القائد المسلم البطل قطز،الذي هزم أواخر الصليبيين ومنعهم أن يغزوا مصر كما منع المغول. وهكذا توالت انتصارات المسلمين في شهر رمضان ليثبتوا للعالم كله أن عبادات الاسلام لا تلهيهم عن عمل وإن شق، وأنهم ينتصرون في رمضان شهر الصوم كما ينتصرون في شهر الفطر، وكانوا دوماً على ايمان بأن الله ناصرهم، ما داموا لا يخرجون على الناس ظلماً ولا عدواناً، وأنهم يردون الاعداء عن ديارهم وينتصرون، وكنت ترى الى عهد قريب أسواقهم في رمضان عامرة منذ الصباح لاينقطعون عن عمل الا للصلاة، أو الافطار عند المغرب، فالصوم لا يمنعهم عن العمل وظل هذا حالهم في جميع أزمنتهم مع أنهم يقومون ليلهم ويصومون نهارهم.
وفي بلادنا كان الناس في رمضان يعملون في نهاره كما يعملون في نهار غيره، ويصلّون في الليل التراويح ثم يهجعون من الليل قليلاً ليستيقظ من كان منهم له قيام تهجد يقوم به،لا ينقطعون عن ذلك أبداً ولم يتعودوا قط جعل نهار رمضان ليلاً وليله نهاراً كما نفعل اليوم.