في حديث أخرجه الإمام الترمذي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر)، وله عدة طرق تعضده، وهو نبوءة منذ طلبت العلم، وكلما تباعد بنا الزمن، خاصة في مثل مجتمعنا المسلم هنا المتمسك بدينه، وهي تلح عليَّ كلما ظهر ناعق لا علم له بالدين أصلاً، ولم يتلق علومه قط، إلاَّ التقاطًا لعبارة هنا أو هناك يظنها من علمه، ولا صلة لها بعلومه، وإنما نقلها مثله عن مثله، منذ تلك الأيام التي ظهر فيها لديننا أعداء، خاصة في الغرب من مثل المستشرقين غير المنصفين، والذين رافقوا المستعمر لكثير من أقطار المسلمين، وحاولوا تشكيك المسلمين في دينهم، وذهبوا يقلّبون كتب علوم الدين علّهم يظفرون بكلمة هنا أو أخرى هناك، يتأولونها لتشويه صورة الإسلام في أذهان أهله، خاصة صغار السن ممّن قلّ علمهم، ويمكن أن تغسل أدمغتهم ليبث فيها ما شاء المنظرون الذين أخذوا على أنفسهم عهدًا أن يهدموا -لو استطاعوا- الدين، ورغم فشل هؤلاء المستشرقين وأتباعهم على مر الزمان، إلاّ أننا نجد في عصرنا هذا الذي خطط لنشر الفوضى في أرجاء عالمنا العربي والمسلم نبتة سيئة مؤيدة لأفكار هؤلاء الفاشلين.
ولن تجد اليوم في أفكار هؤلاء الذين يهاجمون التراث العلمي لعلماء الدين، والذين يهاجمون السنة النبوية ودواوينها التي هي مصادر حقيقية للدين يبنى عليها، ولا هؤلاء الذين يبحثون عن إباحة محرّمات تحريمها معلوم من الدين بالضرورة، أقول لن تجد في أفكارهم شيئًا ابتدعوه، وإنما رددوا أفكارًا لمن سبقهم من المستشرقين، ومن أيد أيام الاستعمار البغيض.
وأرى مصداقًا لهذا الحديث ما يردده اليوم بعض شبابنا المتمسك بدينه، المعتدل في أفكاره والمتسامح، البعيد عن الغلو والتشدد لما ينالهم من هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون عن الدين، حينما يجدونهم في مجالسهم واجتماعاتهم، وفي سائر أنشطتهم يستهزئون بكل محافظ على دينه مفتخر به، حتى أن طلاب العلم منهم أصبحوا لا يرتادون أنشطة الشباب، ولا ينضمون إلى اجتماعاتهم، هكذا يزعمون.
وأنا أعلم بنشاط هؤلاء في مجتمعات الشباب، وأتمنى أن ننتبه إليهم، فهم إذا عادوا الدين، عادوا -ولا شك- أهله، ورغم أن أكثرهم يتحدثون عن حرية التعبير، لكنهم لا يعترفون بها إلاّ لهم، أمّا الملتزم بدينه فهو عندهم لا حرية له، ظنوا أنهم بشغبهم هذا سيستطيعون القضاء على الدين، وهيهات ذلك! ألا يخجلون ممّا يأتون من هذه المواقف المخجلة؟ هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.
Check Also
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …