كلُّ يوم نقرأ في كثيرٍ من الصحف لكاتب تخصُّصه معروف، وليس له اطِّلاع يُذكر على علوم الدِّين، ولم يُعرف عنه شيء من هذا أبدًا، يكتبُ منتقدًا أحكامًا ثابتة في الشريعة، لها أدلتها من نصٍّ أو إجماعٍ، ويزعم ألاَّ دليل على تحريمها مثلاً، أو أنَّ الدليلَ من السُّنَّة وبزعمه الذي لا يعتمد على فهم دقيق، أنَّ هذا الدليل يخالف ما ورد في القرآن، فالردة حكم ثبت في المذاهب الأربعة، والدليل عليه المباشر من السنَّة، لكن له أدلة من القرآن -أيضًا- ثابتة (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، ولعمري أنَّ إحباط الأعمال في الدنيا والآخرة، ودخول النار لأعظم من قَتْل المرتد الوارد في صحيح البخاري عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن بدَّل دينه فاقتلوه»، وله روايات متعددة تجزم بصحته، والحديث لا يعارض الأدلة الثابتة عن حريّة المعتقد، مثل قول الله تعالى: (لا إكْرَاهَ فِى الدِّينِ)، وقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، وقوله: (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وقوله: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، فكل هذه إنَّما تعني ألاَّ يكره أحد على الإيمان بالإسلام أبدًا، أمَّا إذا آمن مختارًا فليس من حقِّه أن يخرج عن هذا الدِّين، وإذا خرج عنه حُبس وعُرض عليه الإسلام، كما يُعرض على الخلق كلهم، وأعطي الفرصة لمراجعة نفسه، والمدَّة التي يراجع فيها نفسه مختلف فيها، إلاَّ أنَّه لا يقبل منه سوى الإسلام، فربنا عز وجل يقول: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ)، ويقول: (إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلامُ)، فلا حريَّة لأحد في الكفر أبدًا، والحقيقة أنَّ قضايا الردة يُحتاط فيها، فلم يقتل أحد بحدِّ الردة في عصره صلى الله عليه وسلم، ومن قُتل في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم- فعدد قليل، وأخبارهم نادرة، ولكن الله عزَّ وجلَّ يشدِّد فيقول: (فَإذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ويقول: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، ولا نريد بهذا أن نقول إنَّ الإسلام لم يكفل للناس حريَّة المعتقد، ولكنَّا لا نرى أن يهدم الدِّينَ جاهلٌ به، فالمسائل الدقيقة فليتركها العامَّةُ لعلماءِ الأمَّة الراسخين في العلم، وفَّقني الله وإيَّاكم لما يحب ويرضى.