تقنين سن زواج الفتيات تقتضيه المصلحة، ولا يمنعه نص شرعي، وحيثما وجدت المصلحة ولا نص في المسألة فإعمالها فيه الخير للناس
طال الأمد بنا ونحن ننتظر ما وعدنا به من تقنين حالات الزواج للصغيرات من فتياتنا اللاتي قد يزوجهن آباؤهن وهن فيما دون العاشرة، وما يترتب على ذلك من إضرار، وقرأنا في الصحف أن قاضيًا أصدر حكمه بأن زواج بنت في الثامنة من عمرها شرعي، ولا يرى حتى تقنين ذلك بقيد كما فعل الفقهاء من قبل، بأن من عقد عليها من الصغيرات لا تسلم للزوج إلا في حال اكتمال جسدها واحتمالها للفعل بين الزوج وزوجته، وكثر اللغط حول مثل هذه الزيجات وكتبت الصحف، فوعدنا بأن الأمر مطروح للدراسة في وزارة العدل ومضت الشهور والأيام ولم يصدر في هذا الصدد أي شيء يطمئن الناس ألا تزوج صغيرة ممن كان عمره ثمانية أضعاف عمرها، ولكن كما يقولون لا يضيع حق وراءه مطالب، ففي جريدة الشرق الأوسط يوم الثلاثاء 23/4/1434هـ، أن وزارة العدل أعدت توصياتها بشأن إقرار الآلية المناسبة لمعالجة زواج النساء، بقصر زيجات من هن دون السادسة عشرة على المحاكم، ومنع المأذونين كافة من تولي ذلك إلا بموافقة خطية من قبل المحكمة المختصة وجعل المشروع للإذن بعقد نكاح الصغيرة ضوابط: أولًا: أن يثبت لدى قاضي المحكمة موافقة البنت ووالدتها على هذا الزواج، لاسيما إذا كانت الأم مطلقة، ولا أدري على ما اعتمد هذا الضابط فالرضا شرط لعقد النكاح بين الزوجين، ولا يشترط رضا أم الزوجة، وإذا كان هذا الضابط وضع لحالة فردية رفعت فيها أم إلى القضاء أن ابنتها زوجت صغيرة جدًا، ولكنها قضية فردية لا تعمم، وإلا لوجدنا من الأمهات المطلقات من ستعترض أن تزوج بنتها من قبل من يرضي الأب، وكل حالة تقدر بقدرها، والضابط الثاني: التأكيد على ولي الفتاة بعدم إتمام زواجها بعد عقد قرانها مباشرة، وإنما تعطى الفرصة الكافية لتهيئتها من الناحية النفسية وتدريبها لمتطلبات الحياة الأسرية، وهو كلام نظري لا يضمن أحد أن يطبق في الواقع، فما أن يتم عقد النكاح، فلن يحول بين اجتماع الزوجين حائل، ولكن السن لا يزال مطلقًا فما دون السادسة عشرة من عمر الفتاة يشمل جميع سني عمرها منذ أن كانت طفلة في المهد ترضع، وحتى تبلغ السادسة عشرة من العمر، والموروث من الفقه لا نجد فيه ما يساعدنا على تحديد سن الزواج، ولا أظن أن هناك نصًا يحدد هذه السن، ولا شيء يمنع الحاكم أن يحدد سنًا له يمنع أن تضار الفتيات الصغيرات في السن، فالنكاح بناء للأسرة لا هدم لها قبل أن تبنى، فإن فتاة في الثامنة من العمر وما بعدها حتى الثامنة عشرة، قد تجبر على الزواج ممن لا ترضاه زوجًا، ولا رأى لها في السن الصغيرة فيه، ولهذا قد اشترط بعض الفقهاء أن من زوجت قبل البلوغ، لها الحق عندما تبلغ أن ترفض العقد لعدم رضاها بالزوج، والمتحدث عنه اليوم من الصغيرات فإنما نعني به من لم يبلغن، والنكاح قد يضرهن نفسًا وبدنًا، والخير في أن تحدد لهن سن يكن فيه أقدر على تحمل النكاح، فلا يضارين بدنًا من هذا النكاح ولا نفسًا، ودول عالمنا الإسلامي كله قد حدد فيه السن للزواج ولعل أغلبها حدد سن الثامنة عشرة سنًا للنكاح والقول أن حالات زواج الصغيرات لا تتجاوز ست حالات في بلادنا أمر مبالغ فيه، فوثائق النكاح عندنا لا تذكر عمر الفتاة المزوجة، والصغيرات اللاتي زوجن في سن صغيرة لا يحصيهن العد، قديمًا وحديثًا، خاصة في القرى والأرياف وفي مواطن القبائل، ونفي العقوبة على من يخالف الأنظمة وإن كانت باجتهاد فيما لم يرد به نص، كزواج الصغيرة، فإذا حددنا له سن السادسة عشرة من عمر الفتاة، وألزمنا به أولياء أمور الفتيات والمأذونين ألا يعقدوا عقد نكاح فيما دون هذه السن، فلا يقال: (وبشأن إيقاع العقوبات في حالة المخالفة أن الزواج بحد ذاته هو ممارسة فطرية أكد عليها الشرع وجعل الطريقة الموصلة لها هو الزواج الشرعي، المعتبر مناطًا فيه بالولاية إلى الأب، وهو أقرب الناس إلى معرفة مصلحة ابنته، وهو الأكثر حرصًا على سلامتها وعفافها، وتبعًا لذلك لا يسوّغ أن تتخذ إجراءات تتضمن المعاقبة والمحاسبة لمن يفترض به العناية بأبنائه دون غيره)، وهو قول غريب فولاية الأب على ابنته لا تحميه من العقوبة إن أضر بها، فزوجها ابن السبعين عامًا وهي في التاسعة من العمر، لا تزال في المرحلة الابتدائية، ولا إن زوجها بغير الكفء ممن يضر بها ليل نهار لمجرد أنه أعطاه لذلك ثمنًا سمه مهرًا أو هدية، وأنا أعلم أن ما نشر مشروع فقط، ولم يصبح تشريعًا يطبق في أرض الواقع لهذا أرجو من وزارة العدل أن تنظر بعين الرعاية لبناتنا الصغيرات فلا يسمحوا بتزويجهن في سن صغيرة توردهن المهالك، فليس حق الأب مطلقًا في التصرف في شؤون بناتهم، حتى أضروا بهن وعرضوهن لأمراض نفسية وأخرى بدنية بتزويجهن من رجال لا يقودهم إليهن إلا الشهوة، فلسن سلعة للأب يبيعها لمن يدفع أكثر. إن تقنين سن زواج الفتيات تقتضيه المصلحة، ولا يمنعه نص شرعي، وحيثما وجدت المصلحة ولا نص في المسألة فإعمالها فيه الخير للناس، ووزارة العدل بما فيها من العلماء هم أولى خلق الله برعاية مصالح الضعفاء منهم ممن لا حيلة لهن في دفع الأذى عنهن ، وفي الوزارة رجال علم وصلاح نعتمد على ما امتازوا به من علم وخلق انهم يدرسون هذا المشروع بعمق وأن يصدر عنهم ما انتظره الناس طويلًا بحيث تحل معضلة نكاح الصغيرات وأن يحمين بسياج من الشرع باجتهاد علمي وفق أسسه وشروطه الفقهية، التي تجعل من فقهنا الإسلامي متفوقًا من حماية أرواح العباد وعقولهم وأعراضهم وأموالهم، وقبل كل شيء دينهم الذي ارتضاه لهم الله وحمايته من التشويه المتعمد، وهو ما أرجو والله ولي التوفيق.