مثلما نهج الغرب سطحية تفكير في حكمه على الإسلام، فاعتبر ظهور مجرم إرهابي بين المسلمين يعني أن في الإسلام بأحكامه وقيمه ما يحثُّ على الإرهاب ويصنعه، وينسى أن انحراف البشر عن الطريق السوي يحدث بين كل أهل الأديان والمعتقدات من كل الأمم، فكما أن هناك مجرمًا مسلمًا، فهناك في الأمم الأخرى أمثال له في المسيحية، واليهودية، والبوذية، والهندوسية، وغيرها، ففي سائر الأمم مجرمون، ولا ينسب ذلك إلى أديانهم ومعتقداتهم، والإسلام لمن عرف حقيقة عقائده وشرائعه ليس فيه ما يجعل معتنقه أن يكون مجرمًا، ولكن هوى الأنفس الخبيثة كلّه شر، وسطحية التفكير تقود إلى الكوارث، والغريب أن من المسلمين من لا يعرف الإسلام إلاَّ بوجهة نظر غربية، فها نحن نقرأ ونسمع مَن يُحمِّل الإسلام وزر الإرهاب ممّن يزعم أنه يدعو إلى التنوير، وإن لم يستطع أن يجهر بذلك، عمد إلى كتب العلوم الإسلامية، يبحث فيها عن عبارة هنا أو هناك، ليزعم أنها مصدر الإرهاب، ثم يذهب في سذاجة بالغة لاتّهام علماء للدّين بأنهم مَن أسَّسوا الإرهاب، ولهذا أعلام اليوم يُعرفون به في سائر أقطارنا الإسلامية، ومن مثل هذا ما نسمعه اليوم عن مؤسسة الأزهر العريقة، والتي حفظت ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً تراث الإسلام نقيًّا، وعلم الناس كلهم عبر العصور وسطيتها واعتدالها، نسمع اليوم من يحمّلها الإرهاب بذات الطريقة، وآخر ما استمعنا إليه عبر بعض وسائل الإعلام عندما قبض على أربعة شباب صغار في السن طلاب في الأزهر غسل أدمغتهم منظرون للإرهاب ليحولوهم إلى إرهابيين، يغتالون مَن يُخالفهم الرأي، وهم عملوا تحت إمرة طبيب لا شيخ أزهري، فنادى الحاقدون على الأزهر، بل على الإسلام أن يُعاد النظر في كل مناهج الأزهر وكتبه، ولم يُرَ أحد الصحفيين يُطالب بأن لا يترك للمؤسسات الدينية بزعمه إعادة النظر في برامجها ومناهجها، بل رشح لها من المثقفين والكتّاب والصحفيين والتنويريين -كما زعم مَن يقومون بهذه المراجعة- وهذا نهج في سطحية التفكير لم يصل إليه حتّى السذّج من عامّة الناس، ممن لم يعرفوا طريقًا إلى أي مؤسسة تعليمية، ولم يحصّلوا من التعليم شيئًا، ولو كان نزرًا ضئيلاً، وهذه الهجمة الشرسة على علوم الإسلام وعلمائه أكاد أجزم أنها مخطط لها بإحكام، فالغرب لم يستطع -عبر وسائله التي ظلت تعمل قرنًا من الزمان- نزع هذا الدّين الحنيف من صدور معتنقيه، فلم يجد وسيلة أنجع من إغراء السذّج من أهله لحربه من الداخل، ونقرأ اليوم نماذج لا حصر لها في الصحف، ونسمع من خلال بعض القنوات الفضائية بمثل هذه السطحية، بل والسذاجة المتناهية، فمتى نفطن لهذا اللون من الحرب، لا أقول على علوم الإسلام، بل على الدين ذاته؟، أرجو أن يكون ذلك قريبًا جدًّا. والله ولي التوفيق.