كيف تقتنع بإعلام مصادر أخباره مجهولة, بل وأحيانا كثيرة مصنوعة مفبركة, من مثل صرح مصدر مسؤول, ونقلنا عن مصادر سيادية وشاهد العيان الذي لم يرَ شيئا في الغالب أحد أهم مصادر الأخبار!
مما يجعل الناس في شرقنا العربي يتابعون وسيلة إعلام أجنبية كإذاعة BBC البريطانية, منذ كانت إذاعة الشرق الأدنى أنهم لم يجدوا في وسائل إعلامهم الوطنية المصداقية التي تجعلهم يثقون لما تبثه إليهم من أخبار أو مواد إعلامية أخرى, رغم علمهم الأكيد أنها إذاعة استعمارية تخدم أهداف دولة استعمارية لم يسلم منها إلا القليل من مواطن الشرق التي نجت من استعمارها واستغلال ثرواتها, ولكنهم كانوا آنذاك يجدون المهنية واضحة في عملها الصحفي فيثقون بها, ولكنها مع مضي الزمن والتحاق الكثيرين من العرب بها, وعملهم لا كمذيعين يقرأون نشرات أخبار أو يقدمون برامج مترجمة عن أصلها في اللغة الإنجليزية, بل أصبح بعضهم يعمل في إدارتها بل وقد يعتبر بعضهم لها خبراء إعلام, لعملهم في وسائل إعلام أخرى قبل ذلك, فظهرت عدم المصداقية أحيانا واضحة في اخبارها وتحليلاتها لا تستخدم بريطانيا الدولة المالكة لهذه الإذاعة صوتية ومرئية, وسمعنا لأول مرة قال مصدر مسؤول, أو نقلا عن مصادر موثوق بها فتبحث عن هذا المصدر أو المصادر فلا تعود إلا بخفي حنين, بل وتكتشف في بعض الأحيان وعلى سبيل اليقين أن أحدًا لم يصرح قط بما نقلته الإذاعة على أنه عن مصدر, وأن هذا المصدر والمصادر وَهْمٌ, ثم سمعنا لأول مرة في وسائل الإعلام نقل عن شاهد عيان أو تحدث شاهد عيان فقال, أو اتصلت الإذاعة بأحد شهود العيان فيتحدث إلينا رجل نكتشف فيما بعد أنه (شاهد ما شفش حاجة) كمسرحية عادل أمام, وقد يكون صاحبنا في بلد بعيد عن البلد الذي جعل نفسه شاهد عيان على أحداث فيه, ولأننا في عالمنا الثالثي (ودولنا العربية من القلب منه) قد أبتلينا بالتقليد, وغاب عن كل شؤوننا الإبداع, وفي الإعلام بالذات لم نجد شيئا سوى التقليد في الأخبار وفي البرامج وفي التحليلات, وحينما ظهر الإعلام الخاص في بعض دولنا, أو أُنشئ في الخارج ليتخلص من رقابة الداخل, وليدعي أنه حر بعيد عن الضغوط, كان همه تقليد الغربي منه بريطانيًا كان أم أمريكيًا أو غيرهما مما التحق بهما من سائر الدول في الغرب, حتى أصبح المواطن العربي لا يجد في إعلامه العربي ما ينتمي إلى بلاده وثقافته, وطبعًا لا يفهم من كلامي هذا أن مجتمعاتنا ليس فيها مبدعون, فوجودهم فيها يقيني ولكنهم لا يتصدرون المشهد في أي مجال من مجالات العمل في الأوطان العربية, بل لعلي أقول إن الخشية من المبدعين في جلها هو السائد لذا ستجدهم يرحلون إلى الغرب حيث يستفاد من إبداعاتهم, ولكن التقليد ساق الإعلام العربي في الطريق المسدود, فلم يعد إعلامًا يوثق به, وكيف تقتنع بإعلام مصادر أخباره مجهولة, بل وأحيانا كثيرة مصنوعة مفبركة, فمصادره غير معلومة من مثل صرح مصدر مسؤول, ونقلنا عن مصادر سيادية, وشاهد العيان الذي لم يرَ شيئا في الغالب أحد أهم مصادر الأخبار في ذلك الإعلام, ونُمي إلى علمنا, وكم اكتشف الناس أن الأخبار مجهولة المصدر لم تقع, وأما التحليلات فهي لخبراء لم يعترف بخبراتهم أحد سوى وسيلة الإعلام التي منحتهم هذه الألقاب, ولم تصدق تحليلاتهم قط وهم اليوم منتشرون في القنوات الفضائية وأعدادهم تتزايد كل يوم, وينفق هذا الإعلام عليهم, أما البرامج خاصة الفنية منها كبرامج المسابقات في الغناء أو غيره فماهي إلا تقليد مشوه لبرامج غربية منتشرة, ويحكمها من لا يصلح أن يكون محكمًا, فهو إما بعيد عن هذا المجال, أو هو في ذيل من يعملون في هذا المجال, ويعود الأمر إلى ما بدأ به, فينحاز المتابع العربي إلى غير هذه الوسائل مرغمًا لعدم ثقته بها, فجلها منحاز إلى فئة معينة لا يخدم سواها, وحتى من اشتهر منها عبر ما خطط له من قبل على ان يكون أصدق القنوات, الذي يقدم الرأي والرأي الآخر, أصبح في الآونة الأخيرة منحازًا إلى جماعة معينة وأصبحت أخباره وتحليلاته لا تخدم سوى هذه الجماعة, وأصبح يفبرك الأخبار التي تخدمها, فأشاع الإحباط في المتلقين العرب, وأصبحوا اليوم لا يصدقون أي وسيلة إعلام عربية, والكذب خطر جدا على المجتمعات العربية, لأنه السبب لكل شر, والمؤمن من لا يكذب, فعلينا إن أردنا النهوض بمجتمعاتنا أن نحاربه بجدية تامة في كل وسائل الإعلام وأن نقاطع منها من استمرأته فتخسر وتختفي عنا, فالإعلام إذا أصبح تجارة فقط فلا خير فيه, وإذا كان لا يخدم إلا أهداف سيئة فمتابعته تجعله ينجح في تحقيق أغراضه, فهل نفعل هو ما أرجو والله ولي التوفيق.