صور الإعلام الذي لا يوثق به

كم من أخبار بثها إعلام مضلل، ثم اكتشف الناس أنها أوهام، وأحداث زعم أنها وقعت ولكن الناس عرفوا أنها لم تقع..!

منذ عرف العالم الصحافة أولاً, ثم وسائل الإعلام المتعددة بعد ذلك, وهناك أنواع منه غير موثوق بها, ولا يركن إلى ما تبثه من معلومات وأفكار, وكان في البداية الإعلام الموجّه, والذي غايته محصورة في خدمة فكر معين, أو سياسة معينة يسعى إلى بثها للناس وإقناعهم بها, وأوضح أمثلته ما كان يجري أثناء الحروب, حيث تستخدم وسائل الإعلام في مواجهة العدو, ولا تقتصر على تغيير الحقائق, وحجب ما يجري على الأرض, بل أصبحت إحدى وسائل الحروب, حيث تبث من المواد ما يقصد به شن حرب نفسية على العدو, وإشعاره بالهزيمة, وإن لم يكن هناك أسباب حقيقية لها. والاستعمار الغربي استخدم هذا الإعلام الموجّه بلغات البلدان المستعمرة ليقنعهم بجدوى ما يفعل, وإن لم يستطع الاقناع سعى إلى ما يفرّق بين جماعات الشعب المستعمر, أو بين الدول المستعمرة حتى لا تطالب بالاستقلال, وكلنا يتذكر إذاعة الشرق الأدنى, وما كانت تبثه ليحقق مصالح بريطانيا التي كانت أكثر دول الغرب استعمارًا لشعوب الشرق, ولا يزال هذا النمط موجودًا حتى اليوم, ويتكرر كل حين, ومن صوره التي لا يوثق بها الإعلام الرسمي للدول, خاصة في العالم الثالث. فالإعلام في العديد من تلك الدول موجّه حكوميًّا, ينفي مهمة الإعلام الأصلية في نقل الخبر صحيحًا كما وقع دون تلوين أو توجيه, والمراقبة لكل أوضاع البلاد من كافة النواحي, وكشف الخلل والقصور, وما يستر من فساد يقع, وهذه المهمة يتخلى عنها الإعلام الرسمي الحكومي في تلك الدول ولا يمارسها, ويضفي دومًا على الواقع ثوبًا ورديًّا, يقول من خلاله إن كل شيء على ما يرام, والنقد لا يمارسه إلاّ خلال ما يقول عنه إنه يحاك للدولة والشعب, ممّا يدّعي أحيانًا أنه وقع, حتى وإن كان الجميع يعلم أنه لم يقع, وهذا النوع من الإعلام تجده بصورة جلية لدى الحكومات المستبدة, التي لا ترعى لمواطنيها حقوقًا, ولا تحفظ لهم كرامة, وهذا النوع من الإعلام اليوم يتقلّص, لا لأن من يصنعونه كفّوا عن صناعته, ولكن لأنه لم يعد مقبولاً في هذا العالم الذي لم يعد فيه شيء محجوب.
والطامة اليوم في هذا الإعلام الذي سمّي خاصًّا, وبعضه تموله حكومات ظاهرًا حينًا, ومن وراء ستار أحيانًا, وهو مصنوع ليكون منحازًا لكل ما يريده مموله, يؤيد تيارًا, أو جماعة دينية أو سياسية, جاء كل ما يطرحه تأييدًا لها, وانحيازًا لكل ما تقوله وتطرحه, ولو أجمع الناس كلهم على سوئه وفجاجته, وظهرت قنوات فضائية, وإذاعات مسموعة تذكر أحداثًا لم تقع أصلاً, لأن ذكرها يخدم جماعة سياسية معينة, وظهر للناس كذبها الصريح عندما استعادت صورًا لأحداث وقعت في بلد آخر, وفي زمن آخر, وادّعت أنها حدثت في ذاك البلد الذي تناصر جماعة فيه لتؤكد أقوالاً لهذه الجماعة كاذبة, ولما فضحت أخذت تعتذر, ولكن لم تلبث أن عادت سيرتها الأولى, رغم أنه تكشف مؤخرًا الذي مارسته من أدوار مشبوهة في ما وقع من أحداث في بعض البلدان العربية, التي تعاني اليوم من أحداث فاجعة بسبب ما قام به ذلك الإعلام المضلل, والذي في البداية كسب له جولات, بادّعاء أنه الإعلام الأنقى, والذي يقبل الرأي والرأي الآخر, وأنه محايد, ثم انقلب فإذا هو إعلام موجّه ينضم إلى ما سبقه من ألوان هذا الإعلام الذي تحدثنا عنه, والذي لا يوثق به, ثم اتسع هذا التضليل على شبكة الإنترنت, فهناك العديد من المواقع التي تخدم فكر جماعات دينية منحرفة, وأخرى سياسية ذات فكر خطر, وبعضها مستعد لخدمة من يدفع أكثر, ويتيه الناس في ما تروّج له من أفكار, وما تزيفه من أحداث, والناس قد يصدقون زمانًا هذا التضليل, ولكن الأمر لا يطول, فالحقائق دائمًا تظهر في النهاية, ومهما حاول المحاولون إخفاءها, فإنها تسطع ويراها الناس واضحة جلية, فكم من أخبار بثها إعلام مضلل, ثم اكتشف الناس أنها أوهام, وأحداث زعم أنها وقعت ولكن الناس عرفوا أنها لم تقع, وأمّا أن يستخدم هذا التضليل الدين, ويقدمه وكأنه حقائق دينية فتلك هي الكارثة, فحينما تزعم جماعة سياسية أنها إنما احترفت السياسة لتقيم الدين وتطبقه في واقع الناس, وتنشئ له دولة, ويخدمها إعلام مضلل لإقناع الناس بمزاعمها, ومهما بذل هذا الإعلام المضلل من جهود في هذا السبيل سيكتشف الناس زيف ما ادّعاه, ويعرفون الحقائق, والتي وإن غابت بعض الوقت إلاّ أنها سريعًا ما تظهر لجميع الناس واضحة جلية, فيسقط هذا الإعلام, ومن جاء من أجل الدفاع عنه والترويج له, ويفقد مصداقيته, ثم يغيب مرغمًا وهو ما ينتظر هذا الإعلام المستحدث, فما حل بسابقيه سيحل به ولا شك, لكن من صنعوه لا يدركون هذا, فهم في غيهم يعمهون, وهو ما نراه جليًّا والله الموفق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: