كما أدركنا وعيًّا أن المتحدّث في أيّ علم لابدّ وأن يكون متخصصًا فيه، وإلاّ أصبح حديثه لا معنى له، وسيمتلئ بالأخطاء، وقد قالوا قديمًا مَن تكلَّم في غير فنِّه، أتى بالعجائب، كما هو الحال اليوم مع مَن يجهلون حتى البديهات في العلوم الدينية، والتي أصبح انتقادها وانتقاد علمائها هواية الكثيرين، ممّن يجهلونها تمامًا، وفي أحيانٍ كثيرة لو تحدَّثتَ إلى أحدهم إن كان متخصّصًا في علم ما في تخصصه، وحشَدْتَ له فيه معلومات صحيحة، لا كما يفعل عندما يتحدَّث في الدِّين، لاشتد اعتراضه على ما تقول؛ لمجرد أنك غير متخصص فيه، ولا يُطبِّق ذلك على نفسه أبدًا، فهو يتحدَّث في كل ما يجهله من العلوم، ونحن نعيش في زمن؛ للتخصص فيه الاعتبار الأول عندما يُختَار للمناصب مَن يشغلها، ويزيد على ذلك أن يكون له سابق ممارسة في هذا التخصص، فالخبرة ضرورة لهذه المناصب، وما لم نعترف بأن المنصب لا يكون إلاّ لمن له التخصص العلمي، الذي به يستحق هذا المنصب، وأيضًا له الخبرة اللازمة لممارسة العمل فيه، فإننا نسيء للمناصب، التي يُراد منها أن يرتقي مَن أُختيروا لها بالعمل لرقي الوطن والمجتمع، فالمجتمعات المتقدّمة أحسنت الاختيار للمناصب التي تباشر العمل في أخطر ما يحتاجه الوطن وأهله من خدمات ضرورية لحياتهم، مع رقابة على أعمالهم مستمرة، وعلى أن تُحدَّد لبقائهم في مناصبهم مدة معقولة، ثم يتركونها ليحل محلهم مثلهم لتجديد الدماء، وحتى لا يعتري المناصب الجمود الخفي والظاهر، ولعل مدة أن يلي الموظف العام منصبه لا تزيد عن ثماني سنوات في أكثر دول العالم، وفي بلادنا حُدِّدت مرّة بأربع سنوات، واتّخذ في ذلك قرار، ثم لم نعد نسمع أنه يُطبَّق، فأشد ما يضر المناصب القيادية في الإدارات الحكوميّة؛ أن يُعيَّن فيها من ليس لديه تخصص في العلم الملائم لهذه الوظيفة، وليس لديه الخبرة الكافية في مجال هذه الوظيفة، ممّا يؤدّي في كثيرٍ من الأحيان للقرارات الخاطئة التي نلمس صدورها في بعض من يلون المناصب، فإذا كان الوزراء يُستثنون من هذا الشرط؛ لأن مناصبهم في الأساس سياسية، إلاّ أن مديري الإدارات المباشرين للعمل يبقي هذا الشرط ضروري لأن يقوموا بأعمالهم بصورة صحيحة، فكثيرًا ما نعاني من تولّي المناصب والوظائف العامة مَن لا يُحسن العمل، وليس له خبرة فيه، وما تعطيل مصالح الناس إلاّ وأحد أسبابه المهمّة هذا الأمر، فهل نرى قريبًا ضبطًا لشروط مَن يتولَّى المناصب والوظائف بما يُحقِّق المصلحة؟! هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.