إنّ التطرّف والانحراف عن الحقِّ مُدمِّرٌ للبشرية؛ إذا لم تواجهه المواجهة الحقيقية والجادّة، والمبنية على معرفة مصدرها، معلومات دقيقة واضحة، للأسباب التي نشأ في ظلها، والثقافة التي أنتجته، ثم الدوافع التي جعلت الشباب ينتسبون إليه، وطريقة إدارته، ومصدر أمواله، والأسلحة التي بيده، أو بمعنى آخر أن نملك كل المعلومات عنه، فمن الواضح أن مَن يتصدّى لحرب داعش اليوم جلّهم -رغم أن لديه أجهزة مخابرات قوية- لم يستطع أن يجمع المعلومات الكافية عنه، أو لم يكن جادًّا في توفير المعلومات عنه، ومنذ ظهور هذه الجماعات المتطرّفة، والقضاء عليها بتوفّر المعلومات الدقيقة عنها، فكلّما غابت المعلومات الدقيقة عنها، استفحل أمرها، ولعلّ الدول القادرة على جمع المعلومات عن هذه الجماعات واختراقها أيضًا تحجب تلك المعلومات عن الآخرين، ولو كانوا متحالفين معها، لغايات تريد تحقيقها من وجود هذه الجماعات، فإذا تم تحقيق مصالحها حينئذٍ رفعت الحجب عن المعلومات، فاستطاع الآخرون التعامل معها بكل سهولة، وقضوا عليها في أمد قصير، ولنأخذ منظمة القاعدة مثالاً، حيث ظلَّت تضرب في كل أجزاء العالم، وتعطي في التقارير الصحفية التي تبث ما يجعل منها كيانًا لا يمكن هدمه، فلمّا رأت الدولة التي ترعاها لتحقيق مصالح لها، ولما انتهت مصالحها، استطاعت هدمها بسرعة لتنسلخ عنها مجموعات عديدة، لعلّ لكلٍّ منها غاية أُعدّت لها، ويُؤسفنا أن نقول: إن للغرب مصلحةً، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أعلنت الحرب على «القاعدة» سنوات عديدة، فلمّا رأت أن لها مصلحة في هدمها فعلت، ووصلت لقائدها في مكانه السرّي، الذي لم يكن يعلم به أحد سواها، وجماعة الإخوان التي أنشأتها الحكومة البريطانية؛ حينما كانت تحتل مصر، ظل الغرب يدافع عنها، رغم أن كثيرًا من جماعات العنف خرجت من تحت عباءتها، وهي تمارس ألوانًا من العنف بشعة في مصر منذ نشأتها، ثم احتضنت الجماعة، ومكاتب لها في لندن على مدى طويل، رغم مطالبات لمصر ببعض من صدرت عليهم أحكام وفرّوا إليها، وأخيرًا استمعنا -من خلال وسائل الإعلام- ما أيّد ما قامت به مصر، ودول خليجية باعتبارهم جماعة متطرّفة تقريرًا أصدرته الحكومة البريطانية عن جماعة الإخوان المسلمين قائلة: إن عضوية الحركة، أو الارتباط بها يجب أن يُعدُّ مؤشرًا ممكنًا للعنف، وقال التقرير: إن بعض أقسام حركة الإخوان المسلمين لها علاقة ملتبسة جدًّا بالتشدّد الذي يقود إلى العنف، وأن للجماعة فروعًا لها صلة بما وصفه بالتطرّف العنيف، وأخذ يذكر الكثير من المثالب لهذه الجماعة، ومواقف لها من بريطانيا، ولكنّه مع كل هذا يناقض ما جاء فيه حين يقول: إنه لا ينبغي تصنيف الجماعة لمنظمة إرهابية، ولا ينبغي حظرها.. ولعلّنا عمَّا قريب نسمع أن بريطانيا حظرتها، بل وتحاربها إذا هاجمت هذه الجماعة مصالحها، فلننتظر إلى أجل قريب.