العمل الصحفي فن يحتاج إلى العلم والخبرة، وبدون هذين لا يمكن للعمل الصحفي أن يكون عملًا نافعًا مفيدًا، ولا يتوفر الإبداع فيه دونهما، وفي صحفنا ولاشك خبرات لها قدرها، لذا إذا لاحظنا فيها ظواهر سلبية، فإن من واجبنا أن ننبه عليها، لا لأن نحط من أقدار من يتحملون فيها مسؤولية التحرير والإدارة ولا فيمن يكتبون فيها، وإنما هو لون من التعاون على الخير ومن البر للأخوة، فكلنا بشر نخطئ ونصيب، ولا يدّعي أحد منّا العصمة، وقد نلاحظ فيما تنشره بعض صحفنا أخبارًا تشتمل على أرقام إحصائية عن ظواهر اجتماعية مصدرها غالبًا كما تذكر صحفنا دراسات لا وصف لها، ولا يذكر من قام بها، ولا عن أي جهة صدرت، ومعلوم أن الأرقام الإحصائية قد توحي بكثير من المواقف، تبنى في هذه الحالة على مجهول، وكان الأجدى بصحفنا أن تطالب من يذكر لها في لقاء معه عن أي جهة صدرت هذه الدراسات، ومن أجرى الإحصاء وهل أذن له فيه، أم هو مجرد تقديرات مطلقة لا تقوم على أساس علمي، فالإحصاء علم خطير تبنى عليه أعمال كثيرة في مواجهة الظواهر الاجتماعية، كالأرقام التي تطلق عن النساء المدخنات في مجتمعنا، أو في مدارس البنات، أو أقسامهن في الجامعات، مع علمنا بالمحاذير في إجراء إحصاءات بينهن دون إذن مسبق، وأظن أنها في الغالب لا تخرج عن تقديرات غير منضبطة، ومثل الإعلانات عن عدد مصانع للخمر في إحدى مدننا مما يشعر القارئ عن انتشار شرب الخمر فيها، وهو أمر حتمًا غير حقيقي، وقد لا تكون هذه المصانع إلا أوكارًا لعمالة وافدة تصنع خمرًا بطريقة بدائية، وهي قليلة العدد يصل إليها الأمن بسهولة ويقضي عليها في مهدها، ومثل حوادث العنف ضد الأطفال والنساء والمبالغة في حدوثها، وكل هذه الظواهر يجب ألا يعتمد فيها على أرقام إحصائية ما لم تكن صادرة عن مؤسسات موثوق بها، وقد ترتبت عليها مواقف محددة، ويؤسفني أن أقول مثل هذا كثير في صحفنا في أخبار مختلف الظواهر الاجتماعية، وكثيرًا ما يكتنفها الكثير من المبالغات، ومن الظواهر أن تتعمد بعض الصحف النقل عن صحف أجنبية في الشأن المحلي، وكأن لا وسيلة لصحفنا للوصول إليه إلا عن هذا الطريق، رغم أننا نعلم أن الصحف الأجنبية قد تلون الأخبار حسب رؤيتها في أوضاعنا، والتي تكون غالبًا ليس في مصلحة مجتمعنا، ومن الظواهر ما نراه مؤخرًا من تكرار الكتابة في الموضوع الواحد سواء استحق الكتابة عنه أم لم يستحق، فما إن يكتب أحدنا عن موضوع إلا وانهالت بعده المقالات في ذات الموضوع، وقد تستمر أسابيع، حتى تستنفد الكتابة أغراضها، ولا تنقطع وتظل مستمرة مع أن جدواها اضمحلت، فمثلا عما اسماه كتابنا «الهياط» في الإسراف في إعداد طعام الولائم، التي ما أن تنتهي المناسبة إلا ورأيتها أكداسًا في صحراء أو في مقالب زبالة، مما تنفر منه الطباع السليمة، فما اتخذت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موقفًا حميدًا من هذا الفعل القبيح، إلا وتوالت المقالات تترى عنه وكأن لا موضوع للكتابة الصحفية يختار سواه، وهو موضوع يكفي فيه ما تقوم به جهة رسمية نافذة من وضع رقابة عليه وعقوبة لمن يأتيه، وهذه الظاهرة مستمرة في صحفنا في كثير من الموضوعات، تظل ترى المقالات عنها تتشابه وكأنها نشرة واحدة، يقلد أحدهم الآخر، ويستمر الوضع أيامًا أحيانًا وقد يبلغ أسابيع، وقد يتجاوز ذلك، والمقالات إذا لم تتنوع موضوعاتها قل النفع منها، وأصبح التكرار مملًا، ولم أر أحدًا في صحفنا انتبه لهذا وحاول التقليل منه، أو حصره في الموضوعات المهمة والتي تحتاج إلى دراسات كثيرة ومتنوعة، لا مقالات تنظيرية ليس فيها أي قدر من المعلومات المفيدة، ولعل إخواني الكتاب ومحرري صحفنا لا يغضبون لطرحي هذا الموضوع، فما أردت من طرحه إلا البر بهم حتى يقدموا لمجتمعهم المبدع من الموضوعات التي تخدم قضاياهم وقضايا المجتمع والوطن، فلا أظن أننا نسعى لكتابة في الصحف لمجرد الرغبة في شهرة أو لشهوة كلام، وإنما لنفع إخواننا ومجتمعنا بما نكتب ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، فهذا هو ما نسعى إليه، سائلين الله التوفيق.