حمانا الله من الفتن، فما انتشرت في أرض إلا وسعى الخراب إليها، وهي اليوم تنتشر في بلاد قدر الله لها أن يحكمها من البشر من لا يخشى الله، فجعل منها مركزاً لإشاعة الفتن في ما حوله من البلدان، ظناً منه أنه بذلك سيبرز نفسه وطريقة حكمه، وأن يُرغِّب الناس فيه، وسعى ما استطاع أن يجتذب إلى بلاده كل خَرِب النفس سيئ التصرف، ممن يشيع في كل أرض قصدها فساداً عظيماً، ليجعلهم جنوداً له يبثهم فيما حوله من البلدان، ينتشرون فيها وينشرون فيها الفتن، وظن أنه بذلك سيبرز في منطقته، وأنه سيُحكم السيطرة عليها، وسيكون النموذج الذي يقتدى به في السياسة وحسن التدبير، وهو لا يعلم أنه قد جمع من أرجاء الأرض كل مُفسديها، فخلّصها منهم، وابتلى بلاده بهم، فما اجتمعوا قط في بلد؛ إلا وكان أول مصاب بفسادهم، فمَن يجمع في بلاده من الجماعات المتطرفة الأعداد المتكاثرة ويُنفق عليهم، وقصده أن يكونوا جنود خراب يُوزِّعهم على ما حوله من البلدان، التي يعتبرها عدوة له، ويظن أنه آمن من شر هذه الجماعات، هو واهم ولا شك، فكل بلاد حوله تضبط أحوال أمنها، وتمنع أن يتسرَّب إليها مثل هؤلاء، وإذا حاولوا، قُبض عليهم وحُوكموا وفضحوه، حينما يضطرون لنثر ما في صدورهم من أسراره المودعة فيها، فعلمت بذلك مواقع النقص في حكمه وأحوال بلاده، فأمن الناس من حوله من مؤامراته، ولعل هؤلاء الذين آواهم ليكونوا له جيش تخريب، يبعثهم إلى جيران بلاده ينتقمون له منهم، هم مَن سيعودون للانتقام منه، إذا لم يستطيعوا النفوذ إلى جيرانه من الدول الحريصة على استقرارها وأمنها، وردّتهم عنها، وقبضت على مَن تسرَّبوا إليها عبر الحدود، وأغرتهم بالعودة إليه، فعادوا إليه، وقد شُحِنَت نفوسهم عداءً له لما نالهم في رحلة فسادهم من معاناة شديدة، فما يقترب أحد من عش الدبابير، ويسلم من لسعاتها، وهو قد اجتذبها إليه، وأعدّهم لغيره، فإذا هم أول مَن يُهاجرون إليه، ويتخذون من بلاده ملاذاً لهم، فهل سيسلم من لسعاتها، لا أظن هذا ممكناً، فمهما حاول، فستبدأ لسعاتها تقوى كلما فشلت في أن تنتقم من غير بلاده، فعادت إليه ولسعاتها أشد سمًّا، وأدت ولا شك إلى فساد في بلاده، لن يقوى على مقاومته، ولنا جار ستعود إليه أفاعيه التي يطلقها، لتقضي عليه، فهل أدركتم من هو؟، أرجو ذلك.