إنَّما جعل اللهُ أمَّة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- خيرَ أمَّة أُخرجت للناس، كما قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} لأنَّ خيريّتهم مستمدة من أعظم وظائفهم التي كلَّفهم الله بها، وأولها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي لا يكون إلاَّ بكلمة حق يأمرون بها الناس ليفعلوا المعروف، أو ينهونهم بها عن منكر حتَّى لا يفعلوه، ولا يتمُّ ذلك إلاَّ عبر التناصح فيما بينهم؛ لذا شرع اللهُ النصيحة وسيلة للإصلاح في كلِّ شؤون حياتهم، فقال النبي -صلّى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النصيحةُ ثلاثًا قلنا: لِمَن يَارسولَ اللهِ؟ قال: للهِ ولكتابهِ ولرسولهِ ولأئمةِ المسلمِينَ وعامَّتِهم)، وإذا غاب التَّناصح عن حياة المسلمين فسدت حياتهم، ولم يعدْ أحدٌ منهم يُصغي لكلمة الحق التي يجهر بها، والتي هي من أعظم ألوان الجهاد، فسيّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما سُئل عن أيِّ الجهادِ أفضل قال: (إنَّ أعظمَ الجهادِ كلمةُ عدلٍ عندَ سلطانٍ جائرٍ)، وفي رواية: (كلمةُ حقٍّ عندَ إمامٍ جائرٍ)، وكلُّ ذي سلطانٍ له ولاية على المسلمين في شأن من شؤونهم يجبُ أن تُقال له كلمة الحق والعدل إنْ حادَ عنها؛ تصحيحًا للمسيرة، ودفعًا للمظالم أن تقع، وإحقاقًا للحق، وطبعًا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذا النصيحة -وهي أداته- لا تكون إلاَّ بموعظةٍ حسنةٍ يتوسل بها إلى أن يتفهمَ المدعو إلى فعل المعروف، أو ترك المنكر، وهما كلّ فعل شرع الله، أو كره، فهو المنكر الذي يجب اجتنابه، من كلِّ مسلم غيور على دينه، وهذا لا يكون كما يتصوَّر كثير من الناس أنَّه بالأمر بالصلاة، والزكاة، والحجِّ من الشعائر المعروفة، وإنَّما هو من كلِّ طيب يتحقق به العدل والمساواة بين الناس، ولا هو أيضًا بترك المحرَّمات المعهودة المشهورة من شرب الخمر، والزنا، والربا، وما شابه ذلك، بل هو يشمل كلَّ عمل دنيوي لا ينفع الناس في سائر حيوات الناس، إنْ أدَّاه الموكل إليه فعله بإخلاص وإتقان كان عملاً صالحًا يُثاب عليه المسلم، وكلّ عمل دنيوي حرَّمه اللهُ ونهَى عن فعله من أكلِ أموال الناس بالباطل، واختلاس من المال العام، أو أداء أعماله الوظيفيَّة بلا إتقان، كل ذلك من الحرام الذي يُعاقب على فعله المسلم أشدّ العقوبة، وهو منكر -ولا شك- ويشرع فيه النهي عن المنكر، والتناصح بين الناس حتَّى يختفي من حياتهم كل ما يعكر صفوها، ولو أدرك المسلمون كلَّ هذا، واستحضروا في حياتهم كلمة الحق يجهر بها في غيرِ سوء لفظ، أو اعتداء على الغير لكانت حياتهم كما أرادها الله لهم أفضل وأسعد، فافعلوا أهل الإيمان ما تؤمرون به، واتركوا ما حُرِّم عليكم، وتناصحوا في هذا الباب تكن لكم الحياة الأفضل والأسعد.