فئتان تنخران في جسد الأمة منذ عهد بعيد، حذرنا سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما:
الأولى: فئة الخوارج، وقد ظهرت مبكرًا في العهد الأول للإسلام بعد انتقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفي آخر عهد الخلفاء الراشدين، وهي فئة خطيرة جدًا، تكفر المسلمين وتتخصص في قتلهم “يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان”، يحترفون القتل ولا يملون منه، يرون أنهم وحدهم على الحق وسواهم من المسلمين كلهم على باطل، أوصافهم معلومة معروفة وردت سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام بها في العدديد من الأحاديث نذكر منها:
1- ما جاء في صحيح ابن ماجه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بعدي أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن، لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة”.
2- ما جاء في صحيح أبي داود عن يسير بن عمرو قال: سألت سهل بن حنيف رضي الله عنه هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج فقال: سمعته وأشار بيده نحو الشرق: “قوم يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”.
3- وفي الصحيحين عن سيدنا علي رضي الله عنه قال: “إذا حدثتكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلأن أخرّ من السماء أحب إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “يأتي آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، ويمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة”.
ولم يمرقوا ولم يخرج فيه لهم جماعة يقاتلون فيقتلون فإذا فشلوا تحولوا إلى جماعات تعمل في السر تنتظر زمانًا تضعف الرقابة عليهم فيظهرون مرة أخرى، مما يوجب استئصال شأفتهم فكريًا، بحيث يدمر منهجهم فكريًا، ويفسر بشكل صحيح كل ما حاولوا الاستشهاد به من النصوص ليعلم به المسلمون وحتى لا يخدعوا في تأويله،
ولما كان خطرهم عظيمًا وقد يؤدي إلى تأخر الأمة أجيالاً كثيرة فدرؤه عن المسلمين من أوجب واجبات العلماء والحكام.
والغريب أن هذه الجماعات تتناسل فجماعة كجماعة الإخوان خرج من عباءتها الكثير من الجماعات التي تنهج العنف من الجماعة الإسلامية، والسلفية الجهادية، وجماعة التكفير والهجرة، وجماعة الجهاد، وأنصار بيت المقدس والقاعدة كذلك فرخت العديد من الجماعات في الغرب والشرق وفي سائر بلاد المسلمين وما داعش والنصرة وأنصار الشريعة إلا أمثلة لهذا.
أما الفئة الثانية الخطرة جدًا على المسلمين هم من تسموا بالقرآنيين، وهم أبعد الناس عن القرآن، ولكنهم يتوسلون لهدم الدين بالتشكيك في المصدر الأساس الثاني بعد القرآن لأحكام الدين “عقائد وشرائع”، ولهم في هذا العصر حركة دائبة ومحاولات مستمرة، الغاية تشكيك الأمة في دينها، فالسنة شارحة للقرآن مفسرة له تضبط نصوصه، فتبين غامضه وتسهل على قارئه صعبه، فالله عز وجل يقول “وأنزلنا عليك الذكرَ لتبينَ للناس ما نُزِّل إليهم”، ويؤكد أن الرسول نطقه كله وحي فيقول: “وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى”، وقد حذرنا سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم في حديث أبي رافع رضي الله عنه حيث قال عليه الصلاة والسلام: “لا ألفينَّ أحدكم يأتيه الأمر من أمري يقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه”، أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبوداود في سننه والحاكم في مستدركه والترمذي في جامعه وصححه وتابعه على ذلك الذهبي.
وربنا عز وجل يقول: “وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” فلا يصح دين منكر السنة أبدًا، ذلك أن الأركان في الإسلام الصلاة والزكاة والصوم والحج إنما جاء في كتاب الله مجملاً، وفصلته السنة تفصيلاً، فمن لم يأخذ بالسنة عبد الله على جهل.
وهؤلاء الذين يرددون أقوالاً لأعداء السنة دون أن يطلعوا على علوم الحديث هم جهال يتبعون جهلاء مثلهم، يهدمون دينهم بأيديهم، ولكن الدين في ذاته لا يضره أن يمرقوا منه، ولن يضر موقفهم السنة شيئًا، وستبقى المصدر الثاني للأحكام الشرعية، يعلم علماؤها ما صح منها وما ضعف وما وضع، ويتحرون عن الله والرسول -صلى الله عليه وسلم وسلم- ما صح عنه مما بني الدين عليه.
والغريب أن هؤلاء لا يقتنعون إلا بما توحي إليهم شياطينهم، يرفضون العلم ويقبلون الجهل، ويسعون في الدنيا عمًيا فإذا جاء الأجل وسئلوا عن خير البرية وما بلغ به عباد الله لم يحرّوا جوابًا، ويخشى عليهم أن يكبوا في النار على وجوههم، أعاذني الله وإياكم منها، وإنه للهادي إلى سواء السبيل.