ما دخل المواطن إلى فرع الوزارة بجدة إلا ولاحظ هذا النشاط المستمر للقيام بالأعمال في إخلاص وتعامل إنساني راقٍ
إن بقاء فرع لوزارة الخارجية في مدينة جدة بهذا الحجم, إنما هو لأهمية جدة كمدينة رعت وزارة الخارجية زمنًا طويلا, ولما نقل السفراء إلى الرياض, بقي قناصل عامون في عروس البحر يرعون رعاياهم, ولأن جدة بقيت مدينة اقتصادية, وتجارية لها وزنها, ومرت على هذا الفرع فترات ركود أحيانًا ونشاط أحيانا, ومن أفضل فتراته نشاطًا دبلوماسيًا وقنصليًا, هي الفترة التي قدم إليه مديرًا عامًا للفرع الدكتور عبدالعزيز حسين الصويغ, هذا النبيل الذي عمل قبل أن يصل إلى وزارة الخارجية في الجامعة معيدًا ثم أستاذا مساعدًا ثم رئيس قسم, ومديرًا لمركز بحوث, ثم عمل في وزارة الإعلام مستشارًا, ثم وكيلًا للوزارة, لينتقل إلى وزارة الخارجية ليعمل سفيرًا ومديرًا للإدارة الإعلامية ورئيس المكتب الإعلامي لسمو وزير الخارجية, لينقل إلى كوريا سفيرًا معينًا, ثم قنصلا عامًا للمملكة في مدينة هيوستن بولاية تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية, ليعين عضوًا في مجلس الشورى لدورة واحدة ثم ليعين مديرًا عامًا لفرع وزارة الخارجية في منطقة مكة المكرمة ومنذ وطأت قدماه هذا الفرع, وصورة العمل به تتغير, وأصبح الاتصال بالفرع من قبل القناصل والمواطنين ميسورًا, وأصبح الفرع منفتحًا على المجتمع المحلي يشاركه في المناسبات الثقافية, وعرف الصحفيون والمثقفون الطريق إليه, وأصبحت للفرع نافذة على المجتمع, وأقيمت اللقاءات للقناصل وزاروا أماكن الأنشطة الثقافية في جدة, وأصبحوا يرون الوطن بصورة أكثر وضوحًا ونقلت إليهم بالصورة التي تنفي عن البلاد ما قد يروج له الأعداء.
والإدارات الحكومية قد يحرك الإدارة مدير مؤهل مثقف, ويستطيع بصبر أن ينهي الركود الذي تعيشه, ويكسر حدة الروتين التي تخنقه, وإذا غادر المنصب ترك وراءه الأثر الطيب, والدكتور عبدالعزيز فيما أعلم جداوي الموطن والنشأة, ومن حسن الحظ أن عين بعده مدير لفرع جدة السفير محمد أحمد الطيب هذا النبيل الذي يقابل الجميع بابتسامة يرسمها على وجهه دائمًا, هذا المكي الجميل الذي تخرج في جامعة الملك عبدالعزيز عندما كانت جامعة أم القرى فرعًا لها ثم عين معيدًا في الكلية التي تخرج فيها ليبتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية فيحصل على الماجستير في تخصصه, ويسجل لمرحلة الدكتوراة, ليعود في إجازة إلى المملكة ولظروف عائلية اضطرته ليبقى في البلاد, ولكنه كان حينذاك قد ركز في قراءته في العلوم السياسية, والعلاقات الدولية, وكأنه يعد نفسه لعمل آخر, وقد كان أثناء دراسته في قسم التاريخ يتنبأ له أساتذته أن يكون دبلوماسيًا, وهو الرجل الدمث الخلق, الحريص على علاقاته الإنسانية, وعرف آنذاك أن وزارة الخارجية تحتاج بعض المتخرجين في الجامعات الأمريكية والذين يجيدون اللغة الإنجليزية فتقدم للعمل في وزارة الخارجية وطلب منه الحصول على إخلاء طرف من الجامعة الأمريكية التي كان يدرس فيها لكنه ضحّى بالدكتوراة ليحظى بما كان يطمح إليه, وتغلب على كل المعوقات لينقل للعمل بوزارة الخارجية فعين على وظيفة سكرتير ثالث ثم تدرج في الوظائف داخل الوزارة, فعمل في الإدارة الغربية بالوزارة, ليذهب إلى باريس ليعمل في السفارة هناك مدة ست سنوات سكرتيرًا أول, ثم مستشارًا ثم عاد إلى المملكة ليعمل مرة أخرى في الإدارة الغربية ثم عمل نائبًا لإدارة المنظمات, ثم عمل مديرًا عامًا لمكتب لمعالي مساعد وزير الخارجية الدكتور نزار مدني, ثم طلب أن يعود للعمل بفرع الوزارة بجدة لظروف عائلية فحصل على الموافقة, فحل محل الدكتور عبدالعزيز الصويغ عندما عين سفيرًا للمملكة في كندا, ومنذ ذاك اليوم الذي تسلم العمل وفرع الوزارة في نشاط مستمر لا في العمل مع القناصل فقط, بل والعمل لتسهيل الحصول على التأشيرات وفق الأنظمة, وإجراء الندوات عن الدبلوماسية السعودية, ودعوة القناصل للاجتماع, وليتعرفوا على المجتمع السعودي, وما دخل مواطن إلى فرع الوزارة في جدة إلا ولاحظ هذا النشاط المستمر للقيام بالأعمال في إخلاص وتعامل إنساني راقٍ, وفي عهده أنشئ فرع بمكة المكرمة ليتوجه إليه سكان مكة والطائف وما حولهما, وإني إنما كتبت هذا اعترافا بفضل ذي الفضل ورغم أن الدكتور عبدالعزيز الصويغ غاب عنا بالتقاعد, إلا أننا نتابع أخباره ونشاطاته ونرى الأستاذ محمد طيب ونلقاه وترعانا ابتسامته ونسأل الله لهما التوفيق الدائم في حياتهما فهو ما نرجوه لهما والله ولي التوفيق.