لعلنا ما اجتمعنا على خير إلاّ وتذكرنا «السيد» الذي بذل أقصى جهده لعمل الخير لينعم كل من حوله بهذا الخير الذي يريده للجميع
مساء يوم الأربعاء 22 /7 /1435هـ بلغني خبر وفاة الرجل النبيل السيد أمين عقيل عطاس، هذا الرجل ذو الأخلاق الفاضلة، الذي يحسن العشرة لمخالطيه، الذي لا ترى على وجهه إلا السماحة، دائم الابتسام يوحي إليك وأنت تجالسه بالطمأنينة، ولعله من قوم إذا رآهم الناس ذكروا الله.
هو رجل صالح يغلب عليه حب مد يده لمساعدة الناس وخدمتهم، حبه لموطنه “أم القرى” حب يمتلك عليه عقله وقلبه، وكأني به لا يفكر في عمل إلا لها، وعنايته بالغة بفقرائها وذوي الحجات من أهلها يأمنه كثير من رجال الأعمال الصالحين على صدقاتهم لتصل إلى مستحقيها.
ظل رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان منذ تخرجه في كلية التجارة بالقاهرة وحتى وفاته يشتغل بأعمال حكومية وأهلية تصب كلها في صالح أم القرى وأهلها.
وهو رجل محب لوطنه أدى بإخلاص ضريبة عمل شاقة وثقيلة منذ عاد من البعثة في وزارة المالية ومؤسسة النقد، ومصلحة الزكاة والدخل، ثم وزارة الحج والأوقاف، ثم رابطة العالم الإسلامي.
ولم يكن موظفًا يتلقى الأوامر فقط، بل كان في عمله مبدعًا، له فيه مواقف تحمد، اختلف معه من اختلف، ولكنه ثابت على المبادئ، قوي العزيمة، مخلص كل الإخلاص لوطنه، لا يجد عليه من اختلف معه ما يعيبه به، وأقدم الجمعيات الخيرية، هي الجمعية التي أنشأها مع بعض رجالات أم القرى (الجمعية الخيرية بمكة المكرمة) والتي نشأت عام 1398هـ واعتنت بالأيتام والمحتاجين من أبناء مكة، وأعدت سكنًا لمن لا يجدون سكنًا منهم.
كان السيد -رحمه الله- دائم الحركة، لا يهدأ أبدًا، وعندما مرض كنت أيضًا أعاني من مرض فرض عليّ إلا أتحرك كثيرًا، فلم أستطع زيارته في مرضه ولما توفي كنت أكثر إحساسًا بالألم، ألم المرض وألم ألا أستطيع حضور جنازته وألا أجد القدرة للذهاب للعزاء فيه.
وأنا على يقين أن أولاده مقدرون لي موقفي، فقد كان والدهم -رحمه الله- قريبًا إلى نفسي، رغم أن لقاءاتنا متباعدة، فكل منا يحمل للآخر المودة والمحبة ما يعلمه الله، مما يجعلنا متقاربين وإن تباعدت الأجساد، والمكيون أهلي محبتهم راسخة في قلبي، ذلك أني إنما تواصلت مع أنقياء منهم طوال العمر، ورأيت منهم الكثير من الفضل الذي لا ينسى وكم رجل من رجالات مكة إن في مجال العلم، وإن في مجال التواصل الاجتماعي المقدر، والذي له معهم طعم ذوقي راق كنت مجالسًا له أفدت منه.
واليوم ونحن نفقد رجلًا من أبرز رجالات الوطن، ورجالات مكة مديتنا التي ما آن ندخلها حتى تتجدد فينا هذه الروح التي تدفعنا إلى البيت الحرام حيث تغسل دموعنا الذنوب وتقربنا إلى الله عز وجل.
وكم كان لنا لقاء في رحاب أم القرى وشخصيات مكية نبيلة كالدكتور محمد عبده يماني- رحمه الله- والشيخ أحمد زكي يماني- شفاه الله ورده إلينا سالمًا- وفقيدنا السيد أمين عقيل عطاس وغيرهم ممن أحبوا مكة ولحبهم لها أحبوا الوطن كله.
إن لأم القرى عبقًا يجلل أهلها فيتأثرون به وينشرونه فواحًا على كل مكان وصلوا إليه.
وقد كان فقيدنا يمثل هذا العبق الذي به يتميز أهل أم القرى أينما حلوا، وهو اليوم وإن غادرنا بدنه إلا أن روحه تطوف بنا تحيي معنا ذكراه.
ولعلنا ما اجتمعنا على خير إلا وتذكرنا السيد الذي بذل أقصى جهده لعمل الخير لينعم كل من حوله بهذا الخير، الذي يريد للجميع.
وعزائي لكل أفراد أسرته الكريمة وعلى رأسهم ابنه الكريم الدكتور خالد، ثم أعزي فيه أهلي بمكة والوطن كله.
ودعائي له أن يكون مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا وأن يجمعنا الله به في مستقر رحمته مع سيدي رسول الله-صلى الله عليه وسلم- الذي نشتاق لرؤيته.