قد لا يتفق معي كثيرون على ما يرد تحت هذا العنوان، وخاصَّة أولئك الذين يزعمون أنَّهم يشتغلون بالعلم الشرعي، وكثير منهم يفترض في نفسه السلامة من العيوب لمجرد انتسابه إلى العلم، فالشتائم، والسباب محرَّمان في الشرع، محاسب عليهما أشد الحساب، ولكنَّ الكثيرين يظنون أن الشتائم تنحصر فيما يردده أراذل الناس من سبابٍ متدنٍّ، تنفر منه الأسماع، وتنفر منه القلوب، إذا تمكن منها الإيمان، ولكنَّ هناك ألوانًا من الشتائم كثيرة ستجدها في الكتب حتَّى ما ألفه منها من تظنه من أهل العلم، فالذي لا شكَّ فيه أن وصفك لمن تختلف معه بالمبتدع، أو الفاسق، أو أنه أقرب إلى الشرك، أو أنه سيئ المعتقد هو من أسوأ السباب والشتائم، فإن كنت تذكر به مؤمنًا، وهو غائب عن مجلسك أو درسك فهو غيبة محرَّمة، إن كان هو فيه، وإن لم يكن فيه، فهو بهتان، أعظم إثمًا وأشد عقوبة عند الله، والله -ولاشك- محاسبك إن نسبت أحدًا إلى الفسق وحاله يفارقه، وإن عبته به وهو فيه في حال غيابه فهو غيبة محرّمة، أمّا إذا وصفت أحدًا بأنه مبتدع، وأنت لا تعرف حدّ المبتدع ولا وصفه، وتظن أن كل مرتكب إثم هو مبتدع، فأنت جاهل على خطر، وإن كنت تعرف حد الابتداع ولكن تصف به من لم يقع منه ذلك، فأنت على خطر، أمَّا إذا كنت تظن أن عيب الناس بما هو أفظع هو دفاع عن الدِّين، فأنت تقع في كبيرة، وأنت تظن أنك تصنع خيرًا، ولاشكَّ أن من السباب المؤاخذ عليه أن تنسب أحدًا لمخالفة الكتاب أو السُّنَّة، وأنت لم تفهم قوله، ولم تدرك معاني أقواله، فأنت على خطر عظيم، أمَّا إذا وزعت التهم على الناس، وأخذت تذكر لهم معايب ليست فيهم، فأنت تتعرّض لوصف في الشرع ذميم، فأنت تبهتهم بما ليس فيهم، وعقوبة ذلك عند الله عظيمة، وكم نجد اليوم من يتحرك لسانه بذم الناس دون أن يتأكد أن ما يصفهم به فيهم، مع وصفهم بما فيهم في عرف الشرع غيبة، وهي من كبائر الذنوب، وإن لم تكن فهي بهتان، عقوبته عند الله عظيمة، ومن يظن أنه غير محاسب بإطلاق لسانه في الناس يعيب هذا، ويذكر هذا بمعايب ليست فيه، بمجرد أنه سمع الآخرين يعيبونه بها، فاللسان هو ما يقود الناس إلى جهنم، ولو أنهم توقُّوا النار بضبطه لكان خيرًا لهم، فاضبطوا اللسان يثبكم الله.
الوسومفلنعرض
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …