إن الآثار المادية والمعنوية للسابقين من البشر، في كل المجتمعات الإنسانية لها أثر كبير في استطلاع تاريخ قديم، ومعرفة حضارتها خلال العصور، لذا كان الاهتمام والعناية بها من أهم الأعمال الوطنية التي تحافظ على هوية الأمة وانتماء الأفراد إليها، لهذا أصبح للآثار في العالم علم مستقل وتقنيات، للبحث عنها واكتشافها وتحديد تواريخها، والعصور التي وجدت فيها، وعمت العالم المتاحف الأثرية والتراثية، ولم يربط أحد ذلك بالدين، حتى ما كان من التماثيل والمعابد، والتي كانت ترمز لعبادات الأمم التي مضت، أصبح النظر إليها مجرد بحث عن تاريخ تلك الأديان المندثرة، والأمر الغريب أن في بلادنا من لا ينظر إلى الآثار إلا من خلال معتقدات ترسخت لدى البعض أنها وسيلة للشرك، وكأنه يتهم المسلمين في شتى أقطارهم وكلهم يعتنى بالآثار بأنهم إنما يعتنون بها ويصونونها لأنهم يعتقدون أنها مقدسة، وأنهم يعبدونها من دون الله، بل إن بيننا من تخصص في هذا الموضوع، ولم يعد له حديث في سواه، وقد يخطئ الجاهلون الذين لم ينالوا حظًا من التعليم في التعامل مع هذه الآثار، ولكن إثبات أنهم يقدسونها أو يعبدونها أمر يستحيل إثباته، والذين يزورون أماكن أثرية خاصة ما تعلق منها بتاريخنا الإسلامي مهما وقعت منهم من أخطاء، فإن اتهامهم بالشرك فيه شدة تجنٍ عليهم، ولا يستطيع المتهم لهم بالشرك أن يثبت ذلك، ولعل البعض يستحضر في ذهنه عند الحديث عن الشرك فترة زمنية سبقت قام فيها البعض باتهام المسلمين في شتى أقطارهم بشرك لم يقع، فظل هذا البعض سجين تلك الفترة لا يغادرها، والغريب أن كل محاولة لإقناع مثل هؤلاء بخطأ اعتقادهم تذهب سدى، لتعصبهم لهذا الرأي، واعتراضهم دائم على كل عناية بالآثار أو صيانتها، وتحديد مواضعها، وقد أوجد هذا عند بعض العامة جرأة قبيحة على الآثار بمحاولة إزالتها، حتى بلغ الأمر ببعض الجهلة أن يعتدوا على القبور، وأن يقوموا بنبشها، وهدم المساجد، مما تكرر في عدة مواضع، والغريب أن بعض هؤلاء المنظرين لتحريم العناية بالآثار، لا يرونه ممنوعًا إلا إذا خص الآثار الإسلامية، والأخص ما تعلق بالسيرة النبوية، أما كل أثر لغير المسلمين فليعتنى به من شاء فالأمر لا يعنيهم، ورغم أني على يقين أن هذا الخوف المفتعل من العناية بالآثار الإسلامية وخاصة ما تعلق منها بالنبي صلى الله عليه وسلم، سيزول لأن تطور الحياة يفرض تجديد الأفكار وأساليب الحياة، إلا أنني أتمنى لو كفوا عنه فليس له حقيقة، وسيكتشف كثيرون أن أفكارهم قد تجاوزها الزمن، ولم يعد لها قبول لدى المجتمع، بل قد يجد أن النفور منها هو الغالب فيتركها مرغمًا، فنحن لو راجعنا تطور الأفكار في مجتمعنا لأدركنا هذه الحقيقة، فكم من الأفكار كان يرى أصحابها أن التخلي عنها يبلغ مرتبة التخلي عن الإسلام ذاته، فالذين هاجموا إنشاء مدارس للبنات يوم أن لم يجدوا لأفكارهم قبولا تخلوا عنها، بل وبعضهم بعد سنوات قليلة شارك في الإشراف عليها، والحق بناته بها، والذين رأوا في أن إدخال كل أسلوب تنظيم للحياة في هذه البلاد على أسس حديثة هو تخلٍ عن هذا الدين رضوا بعد ذلك به واستفادوا منه، ولم يعودوا للاحتجاج عليه، وأتوقع أن الآثار حتى الإسلامية منها في بلادنا سيعمها الاهتمام والرعاية، وسيكف المعارضون لذلك الناتج عن خوفهم من الشرك غير المبرر، عندما يشعرون أن أفكارهم غير مرغوب فيها، ولا تأثير لها في المجتمع، وعندما يدرك الناس في بلادنا أهمية الآثار، وينشطون في حمايتها وصونها، ومنع الاعتداء عليها، وعبر مؤسسات وطنية رسمية، هي اليوم موجودة ولا يبقى إلا أن يفعل دورها، وتقوم به على أكمل وجه، وتصونها عبر نظام يحدد عقوبات رادعة لمن يعتدى عليها أو يسيء إليها، وحينها لن نجد أحدًا ينظر لإزالتها أو يحرص على ذلك، وهو ما نرجو أن يتحقق ذلك قريبا والله ولي التوفيق.