سرّني أن يُبنى النظام الجديد على قواعد علمية راجحة ملتزمة أحكام فريضة الحسبة وأدواتها، بما ينهي حالة الاجتهادات الفردية التي قد تخطئ أحيانًا
كل نظام يضعه البشر، حتى وإن كان يعتمد اجتهادًا على أدلة شرعية، استنبط منها العلماء ما رأوا أنه أحكام تحقق مراد الله عز وجل، والعلماء بشر قد يخطئون في اجتهاداتهم، كما هم يصيبون، ولأن الاجتهاد يتغيّر بتغيّر الأزمنة والأمكنة، فالأعراف التي يعتمد عليها متغيّرة بتغيّر الأزمنة، لذا كانت الأنظمة إذا تطاول عليها الزمان قد تحتاج لإعادة النظر فيها حتى تتواءم مع تغير الزمان والأعراف، بل إن إعادة النظر واجبة حينئذٍ، كما ان التطبيقات لهذا النظام قد يعتريها لون من الجمود عبر الزمان، والمطبقون للأنظمة قد تتكاثر أخطاؤهم إذا أصبح النظام غير ملائم للزمان الذي يطبق فيه، فإهمال مراجعة الأنظمة أزمان طويلة، يجعلها غير صالحة للتطبيق في الزمان المتغيّر، لهذا فإن الدول تراجع أنظمتها باستمرار من أجل التطوير والتحديث لتلائم الزمان. ومنذ أن تولى فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، ونحن ننتظر أن تتم مراجعة للتعليمات والتعميمات التي من خلالها تعمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر عدة عقود مضت، وأن يصدر نظام جديد، يحدد أعمال رجال الهيئة، ويحدد معايير واضحة لاختيارهم، وألا تكون للهيئة أعمال تدخل في تخصصات إدارية أخرى، وأن تضبط نصوص هذا النظام ضبطًا قانونيًّا ولغويًّا يحد من الاجتهاد في التأويل الفردي المؤدي إلى أعمال لا تتلاءم مع نصوص النظام، وأن يشتمل على نظام محاسبة منضبط لمَن يقع منه خطأ من رجال الهيئة، خاصة وأن عملهم له حساسية بالغة يمس أعراض الناس. فالاتهام في خلق ودين خطر جدًّا وخشية الله الوسيلة الأهم لمنع أي خطأ يمس ذلك، وهو ممّا يحتاج إلى تربية دينية عالية المستوى، وهو ما نطمح أن تكون لجميع أفراد مجتمعنا، خاصة من توكل لهم أهم فروض الدين وأسماها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يشمل النظام التعريف الجامع المانع لكل من المعروف والمنكر، ودرجات القيام بمهمة الأمر بالمعروف، ومهمة النهي عن المنكر، حتى لا يؤول الأمر بالمعروف مع غلو في الدين إلى منكر لا نرضاه، وحتى لا يؤول النهي عن المنكر إلى منكر أشد، وما أتحدث عنه يعرفه المتخصصون في الشريعة ويدركون مراميه، وقد كررت هذا في مقالات عدة منذ زمن ليس باليسير، ولم أرد به الإساءة إلى هذا الجهاز العظيم، وإنما أردت أن أحميه، فوضع نظام جيد له سيجعل قيامه بمهمته أيسر وأبعد عن الأخطاء، وأن يلقى قبولاً عامًّا من سائر المواطنين مهما اختلفت مشاربهم، وقد أسعدني ما قرأته مؤخرًا في جريدة الحياة يوم الأربعاء 18/11/1433هـ منسوبًَا للرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن قرب صدور نظام جديد للهيئة، يهدف إلى تحديد آلية عمل رجال الحسبة في الميدان، وأشار إلى أن النظام ينص على نقل بعض اختصاصات الهيئة إلى جهات أخرى، مثل الدهم والتوقيف والتحقيق وحضور المحاكمات، الأمر الذي طالبنا به مرارًا؛ لأن وجوده في نظام الهيئة يجعل بينها وبين الشرطة وهيئة الادّعاء والاجراءات الجزائية، وكذا القضاء تداخلا في الاختصاصات، واستقلال الهيئة بمهمات تخصها يرفع عنها الحرج، وسرني أن يُبنى النظام الجديد على قواعد علمية راجحة، ملتزمة أحكام فريضة الحسبة وأدواتها، بما ينهي حالة الاجتهادات الفردية التي قد تخطئ أحيانًا، والتي أدت في السابق إلى كثير من المنازعات بين المواطنين وجهاز الحسبة، ولعل هذا ما دفع أعضاء مجلس الشورى أن يوجهوا انتقادات للهيئة، وأن يطالبوا بوجود دليل إرشادي لموظفي الحسبة، وما أجمل أن يقول معالي الرئيس العام للهيئة «إن العمل جارٍ على جميع الاتجاهات ليتم تحقيق أهداف وتطلعات خادم الحرمين الشريفين، في أن يكون الأمر بالمعروف أمرًا بالمعروف، وأن يكون العدل منطلقًا لعمل الجميع، وفقًا لمنهج سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم»، وقد سرّنا أن يعترف فضيلة الرئيس أن الهيئة وقعت في أخطاء فقال: «الأخطاء في الهيئة قلّت كثيرًا، ولا شك في أن أي عمل تحدث فيه أخطاء، ولكن ليست السمة أو الصفة الغالبة»، ووعد بمعاقبة المخطئين، وتحدث عن امتعاض الهيئة ورجالها ممّا يقع عليهم من الاعتداء من قبل المواطنين، والذي نراه نادرًا، ولابد من إقامة البيّنة على وقوعه أمام القضاء، وليعاقب المعتدي بعد صدور حكم عليه واجب النفاذ، وهو ما يجب أن يكون في كل نزاع يقع بين مواطن وأي جهاز أو إدارة حكومية، وأتمنى إن بقي في النظام الجديد من مهامها متابعة قضايا الابتزاز والسحر والشعوذة ان تعرف تعريفًا دقيقًا ليعلم الناس جميعًا حقائقها التي توجب العقوبة عليها، كذا لا تترك بقضايا مثل مس الذات الآلهية أو الرسول صلى الله عليه وسلم دون تعريف، ولا أدري ما علاقة الهيئة بالمخدرات ولها في الأمن العام جهاز خاص بمكافحتها، والكشف عن مروجيها ومتعاطيها، وكذا الخمور، وكذا الاتجار بالبشر، ولعل النظام الجديد يلغي كل تنازع في الاختصاصات بين الهيئة والدوائر الحكومية الأخرى، ونحن في انتظار أن يصدر هذا النظام الجديد، وهو ما نرجو أن يكون قريبًا معلنًا، والله ولي التوفيق.