إن القمة العربية التي عقدت خلال هذا الشهر بشرم الشيخ في جمهورية مصر العربية أعادت إلى أذهان العرب كثيرًا من طموحاتهم وآمالهم منذ نشوء جامعتهم العربية وحتى اليوم، ورغم أن القمة جاءت تحت عنوان: الاحتفاء بسبعين عامًا على العمل المشترك العربي، إلا أنها أحيت رغبة العرب الحقيقية في العمل المشترك بينهم في كل المجالات، بعد أن كانت خلافاتهم سببًا في توقفه عمليًا، ولكن ما سُمِّي بالربيع العربي وما نتج عنه في بعض بلدانهم من كوارث عصفت بها، وهي اليوم تئن تحت فوضى جلبت لها جميع أنواع المتطرفين من هذه الجماعات التي عاثت في الأرض فسادا، وتجري الدماء على الأرض في أبشع صور القتل والتمثيل بالجثث، واسترقاق الحرائر من أجل رغبات آثمة مجرمة.
فما أحاط بالدول العربية في أعوام أربعة سلفت لم يحط بهم قط من قبل على هذه الصورة البربرية، وهذه الجماعات ظني ألا دين لها ولا طائفة، وإن انتسبت ظاهرًا للإسلام وفرقه وطوائفه، فهم قوم لم يستقر لهم إيمان ولم يصح لهم انتماء.
وأحس العرب بأن عليهم اليوم أن ينجوا أمتهم بعمل يجتمعون عليه في سائر حقول الحياة، وأن تكون لهم قوة تحمي مواقفهم وتوجهاتهم، وأن يتقاربوا إن لم يتحدوا فينشئوا لهم سوقًا مشتركة ويوحدوا بينهم الجمارك، وتكون لهم قوة عسكرية مشتركة تهب حين يداهم إحدى دولهم الخطر، كهذا الخطر الذي داهم اليمن، ولولا موقف حاسم من المملكة لأمكن ضياع اليمن، فالحوثيون جماعة لا شك في تطرفها واستخدامها السلاح لفرض أمر واقع على بقية اليمنيين، وهو أمر قد ظهر جليًا حينما تم احتلالهم للعاصمة، ومحاولة تغيير نمط الحكم في اليمن بالقوة، كما أن تطرفهم تحميه دولة ترى أن يكونوا لها يد إرهاب على جيرانها من دول العرب، ورغم فشلها في هذا الأمر من قبل عدة مرات، وتعود أطماع إيران حينًا بعد الآخر في الظهور، وتعلنها في تصريحات بعض مسؤوليها، مما أشعر الجميع أن الأمر يحتاج إلى قوة تردع هذه الجماعات التي تثيرها إيران في المنطقة بين الحين والآخر، لفرض سيطرة موهومة لها، وإنشاء إمبراطورية لن تعود للحياة أبدًا، وخير لها أن تحسن علاقاتها بدول جوارها وأن تتعاون معها بما يحقق مصالح شعبها وشعوب الدول المحيطة بها، وألا تلجأ هذه الدول لمواقف تتصاعد ضدها، وأظن أن العقلاء في إيران سيتنبهون لهذا ويمنعون مثل هذه السياسة التي مصيرها الفشل.
ولعلنا اليوم كأمة ننفض عنا رداء الخمول، ونعلم أن لن يحمينا إلا سواعد أبنائنا، ولنعدهم ليكونوا قادرين على رد أي عدوان على أوطانهم، وحمايتها من جميع الأخطار سواء أكانت داخلية أم خارجية، فهذا الذي حدث منذ أربع سنوات من الممكن أن يعود إن لم نقوِّ وحدتنا الوطنية في كل قطر من أقطارنا العربية على حدة، ونمنع أي خطاب طائفي أو عنصري في ساحته، مثل أن نقوي تعاون أقطارنا جميعها بما يؤهلها للإفادة من قوى كل قطر من أقطارها في صالح المجموع، حتى نصبح من خلال جامعتنا أقوياء يهابنا الآخرون، ويرتدع عنا كل من تسول له نفسه العدوان على أي قطر من أقطارنا. ولنعلم أن الاختلاف بين البشر ضرورة حياتية لا يمكن أن تختفي أبدًا فلنوطن أنفسنا على التعاون بيننا وإن اختلفنا، مادام الاختلاف ممكن تحمّله واحتواء المختلف، ولعلنا ندرك هذا، فهو ما أرجو، والله ولي التوفيق.