إني أحمد الله عز وجل أن هداني للإسلام وجعلني في خير فريق من أهله، من هم على هدى من ربهم لا يحيفون على أحد، ولا يتطاولون على علماء الأمة دون وجه حق، وأسلمني لخير طريق: طريق العلم الشرعي لأحصله بالطريقين الأوثق لتحصيله، فثنيت ركبي في حلقات الدرس ما شاء الله لي ذلك في المسجد الحرام، ثم حصلته في مدارسه ومعاهده وكلياته، فبدأت بالكُتَّاب، ثم التحقت بالمعهد العريق للعلوم العربية والدينية، المسمى دار التوحيد بالطائف، وكنت متفوقاً بين طلابها، ثم التحقت بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة وحصلت على الليسانس منها كما كانت تسمى آنذاك بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف، ثم حصلت منها على درجة الماجستير في الفقه وأصوله (شعبة الاقتصاد الإسلامي) ثم عملت بالتدريس في مدارس التعليم العام ثم في كليات المعلمين ولدي ملف لشهادات التقدير أثناء خدمتي، وطلابي بحمد الله بالآلاف، ثم من حسن ما وفقني الله إليه، أني لا أزال أعلِّم حتى بعد تقاعدي ويرتاد مجلسي إخوة أجلاء يبحثون عن المعرفة في الدين، وجلهم من إخوة كبار في القدر وفي السن أيضاً، ومعهم من الشباب من تتفتح أذهانهم على المعرفة الدينية بشغف واهتمام، فأنا دوماً بحمد الله أرغب في الخير ما حييت، ويعرفني إخواني بأني هادئ الطبع لا أحب الجدل المفضي إلى خصومة ، منذ كنت على مقاعد الدرس، وحتى وأنا اليوم أدلف إلى عمر الثمانين عاماً، وقد حفظت عن شيخ لي يرحمه الله شيئاً، فقد غضبت يوماً من إنسان كنت أظنه من أهل العلم، فإذا به جاهل يخوض في أعراض الناس لا لشيء إلا ليرضي غروره، فهدأني الشيخ، ثم ردد على مسامعي أقوالاً لبعض العلماء، فيمن يغتاب إنساناً بذمه، فقد روي عن الحسن البصري أن رجلاً قال له: إن فلاناً قد اغتابك، فبعث إليه قناعاً من رطب وقال: بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فأردت أن أكافئك عليها وأني لا أقدر أن أكافئك بها على التمام، وحتى أنه قد روي عن عبدالله بن المبارك رحمه الله قوله: لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت والديَّ، لأنهما أحق بحسناتي، وإن لم يكف من أشاع عنك السوء تذكيره بذلك فلعله قد اعتاد ذم الناس بما ليس فيهم، مما سماه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: البهتان، الذي اعتاده اليوم كثير من الناس، حتى بعض من ظننا أنهم من العقلاء أهل العلم والدين، فأن تذكر عن أخيك المسلم ما ليس فيه فذاك هو البهتان الذي يودي بأهله إلى النار، فهو الكذب المحض، والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار كما ورد في الحديث، وأنا يعلم الله أني لا أكره أحد من الخلق حتى وإن كرهت منه الفعل، فديني وصلتي بربي تمنعني من ذلك، بل إني لا أكفر أحداً من الخلق بفتوى، فالفتوى لا يكفر بها أحداً، وإنما من كفر فأمره إلى القاضي وله في الفقه أحكام، وأكره كراهة شديدة هؤلاء الذين يقعون في العلماء، خاصة من لهم فضل على الأمة، وأنا مع من يقول: إن لحومهم مسمومة كما هي لحوم الخلق جميعاً، حرم الله الوقوع فيها وجعل له عقوبة يحكم بها القاضي ولو أنا منعنا من تفلت ألسنتهم بتكفير الخلق دون بينة من ذلك وقلنا لهم: إن كان لديك دعوى تكفير فالجأ إلى القاضي الشرعي، لاستطعنا أن نحد من ذلك كثيراً، وللتذكير فمن دافعت عنهم من العلماء الثلاثة: الإمام أبوالفضل أحمد بن علي بن محمد المشهور بابن حجر العسقلاني موسوعة العلم التي لا تخفى على أحد، وأبومحمد بن إسحاق بن منده العبدي الأصبهاني، وأبوزكريا يحيى بن شرف النووي، ثلاثتهم من علماء أهل السنة، ومن المحدثين مع إلمامهم بعلوم أخرى كثيرة، ولهم في حياة الأمة الكثير والكثير من الهداية إلى الصواب، وعلى كل حال سأخصص مقالي يوم الخميس للكتابة عنهم وعن مؤلفاتهم أو قل موسوعاتهم العلمية، وعفا الله عني فما أنا إلا طالب علم يرفع رايته ويرجو لمن يقرأ له أو يتعلم على يده الخير، وفقني الله وإياكم لكل خير.