لم يُعرف في الإسلام أنه أقر تعدد هذه الجماعات ولم يؤيد قط أن تقوم أحزاب فيه تتناحر أو يخالف كل حزب فيها منهج الآخر..
الإسلام دين له منهج واحد لا يتعدد بتوجهات أفراده، فليس فيه كل جماعة لها منهج تأخذ البيعة فيه من أفرادها على عدم مخالفتها، كهذه الجماعات التي تموج بها أقطارنا اليوم، وكل منها يتحدث عن أن ما تنادي به هو الإسلام، اتفقت مع أصول الإسلام وفروعه أم اختلفت، حملت العداء لسواد هذا الأمة، أو اعتدت عليهم بغيًا من حقد تكنّه لهم، أو حملت لجماعة أخرى تناظرها عداءً سافرًا، وقاتلتها في شوارع المدن وأريافها، وصورة ما يجري يعلم كل من حمل علمًا من علم الدين ألاّ صلة له بالإسلام، فلم يعرف في الإسلام أنه أقر تعدد هذه الجماعات، أو إنشاء واحدة منها، ولم يؤيد قط أن تقوم أحزاب فيه، أحزاب تتناحر، أو يحمل كل حزب منها منهجًا يخالف منهج الآخر، فالمؤمنون كلهم حزب واحد، أليس ربنا يقول: (خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)، ويقابلهم حزب الشيطان الذين يقول الله عنهم: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)، وليس بينهما حزب آخر أمّا أن تعدد حزب الشيطان وارد، فهذا ملاحظ معروف أينما وجد أهل الباطل، لأن ربنا عز وجل يقول: (فتقطعوا أمرهم بينهم زبرًا كل حزب بما لديهم فرحون) والإسلام هدى ونور يجمع الناس أليس ربنا يقول: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، وهذه الجماعات التي تعددت اليوم وادّعت كل واحدة منها أنها على الحق وحدها وسائر الأمة على باطل، حلّت لها دماء أفرادها وأموالهم وأعراضهم، وها هي تعبث في أرض الإسلام بشتّى صنوف الحرابة.. قتل وتدمير وإثارة رعب، ظنّاً منها جهلاً أن ما تفعله جهاد، فهذه الجماعات هي ما عناه الله بقوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا في الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)، وهي هذا العبث الذي تمارسه هذه الجماعات، وقد أغرت هذه الجماعات كثيرًا من شباب الأمة باتباعها واستخدمتهم أسوأ استخدام لتحقيق غاياتها الدنيئة، التي فرّقت الأمة، وجعلت أفرادها دومًا متناحرين، وأقنعتهم أن البيعة لها واجبة، وما تعددت البيعة في ظل هذا الدين قط، إلاّ ما فرضته الضرورة عندما أصبح كل قطر دولة مستقلة عن الأخرى. وما كانت البيعة قط لفرد أو جماعة في ظل حكم قائم، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرّق جماعتكم فاقتلوه)، ولو أن طلاب البيعة من هذه الجماعات واجهتهم الأمة بحكم الإسلام، فأنفذت حكم الله فيهم لما بقي منهم أحد اليوم يتهدد أمن الشعوب في عدة أقطار كما هو ممارس ظاهر، ولما تعددت هذه الجماعات بهذه الصورة، التي جعلتنا لا نستطيع أن نحصيها عددًا، فجماعة إخوان المسلمين، وكأنّ غيرهم إخوان في دين آخر غير الإسلام، ينتمي إليها كل طامع في حكم متطلع إليه، ولا يملك علمًا ولا خبرة في هذا الباب، ليكون حاكمًا، أو شبه حاكم، فجُل المنتمين اليها، أهل حرف متنوّعة، لا علم لهم بدين، ولا قدرة لهم على إدارة دولة، وسعيهم الدائم منذ وجدت جماعتهم الوصول إلى الحكم، يسعون لذلك سرّاً وجهرًا، ويتخيّلون إستاذية للعالم، وهم أكثر من في الأرض تخلُّفًا، وهذه الجماعة الإسلامية، وكأن جماعة المسلمين المعتنقين لهذا الدين ليسوا من جماعة للإسلام، وهي جماعة انشقت عن جماعة الإخوان، وناهضتها حينًا فلما رأتها قد استطاعت القفز على الحكم ناصرتها لتلي معها الأمر، ويكون لها نصيب من الغنيمة، وقد احترفت قتل الناس منذ نشأتها والاستيلاء على أموالهم، وهذه جماعة جهاد تدّعي أنها سلفية جهادية، تخصصت في غسل أدمغة الشباب لتدفعهم إلى مواطن الصراع ليُقتلوا أو يُؤسروا، واليوم هناك جماعة بيت المقدس، لا صلة لها بالقدس وتحريرها، تكفّر وتفجّر وتدّعي أن ما تفعله هو الإسلام، وما لم يكن للمسلمين موقف جاد تجاه هذا العبث، وخطة واضحة تتفق عليها كل دولهم لمواجهة هذا الخطر، الذي يفتك بالأمة ويزيدها تخلُّفًا، ويضعفها أمام أعدائها، فإنهم يسلّمون أقطارهم لخطر أعظم، وهو ما يسعى إليه الأعداء إلى تفتيت بلادهم إلى أجزاء متناثرة يقيم فيها من هؤلاء إمارات لهم يحققون بها لأنفسهم ما يهوون من حكم للناس بفرض ما يريدون من أفكار ظلوا زمنًا يحاولون نشرها ولم يقتنع بها من المسلمين إلاّ سذّجهم، ومن قل علمهم وجهلوا واقع الدين، وواقع الحياة، أما ترك الأمور تجري في أعنّتها على هذه الصورة خطرها عظيم على أمتنا، ومنعها من أن تبحث عن مستقبل أفضل لها في هذا الزمان التي تتنافس فيه الأمم على التقدّم المادي والمعنوي، لا أن نظل نبحث عن جماعة تقتل هنا أو هناك، وجماعة تريد أن تحكم وأخرى تريد مشاركتها في غنيمة، فلسنا الأمة التي تظل تخدع في كل أزمنتها، ولا بد لنا من نهضة دينية وفكرية تجعلنا ننهض ببلداننا في سائر ما نحتاج للنهضة فيه تعليم وصحة واقتصاد، وتنمية مستدامة، فإذا نحن ننافس الأمم في هذا العالم، هذا هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.