لتتحقق السعودة

القضاء على البطالة يجب أن يتم عبر أطر علمية وعملية هي اليوم في تجارب الأمم حولنا في خطط معروفة, إذا لم نستطع الاستفادة منها فلن نخترع ما هو أفضل

لست ممّن يميلون إلى استعمال هذا المصطلح.. فنحن في وطن اسمه المملكة العربية السعودية, وأن يكون العاملون فيها في جميع نواحي وميادين الحياة من أبنائها المواطنين أمرًا لا يحتاج إلى أن نبحث له عن مسمّى, فقوة العمل الوطنية حقها الإنساني أن يجد كل فرد منها العمل في وطنه الذي يجعله يعيش على أرضه كريمًا, والبطالة بين هذه القوة الوطنية -كما يعلم الجميع- لها أخطار عظيمة على الوطن وأهله اقتصاديًّا واجتماعيًّا وإنسانيًّا, والسعي للقضاء عليها ما أمكن ذلك عمل يجب أن يتم عبر أطر علمية وعملية, هي اليوم في تجارب الأمم حولنا في خطط معروفة منشورة عبر العالم, وإذا لم نستطع الاستفادة منها فحتمًا لن يخترع ما هو أفضل منها, ونحن على حالنا الذي نحن عليه.. علم سوق العمل الذي يمس الحياة الدنيوية عندنا مغيب, أو على الأقل لا يُلتفت إليه, إن لم أقل إن أهله يتهمون بتهم شتى, وتحركنا من أجل القضاء على مشكلة البطالة في بلد يكاد الوافدون للعمل فيه من خارجه أن يكونوا فيه ثلث سكانه, ثم لا يجد أبناؤه المؤهلون للعمل فيه فرصًا تستوعبهم لمعضلة يجب أن يتعاون الجميع على حلها, على ألا يكون الحل بفرض العمالة الأدنى تأهيلاً, أو المنعدمة التأهيل مكان العامل الوافد لمجرد أننا نريد أن نتخلّص منها سريعًا, فالضرر لا يقع حينئذٍ على الفرد, بل على المجموع كله, وإذا كنا نعتقد اليوم أن ليس هناك بيت سعودي إلا وله نصيب من هذه البطالة, فعلينا أن نبحث عن الحلول المتوازنة, فنستبقي من العمالة الوافدة ما هو مؤهل للعمل في شتى المجالات بجودة عالية, وأن نصرف منها بالإحلال من غير مؤهلين أصلاً مثل هذه العمالة السائبة, التي تذرع الشوارع ليل نهار, تبحث عن أعمال فإن لم تجدها تحولت إلى أدوات إجرام, ووجودها بيننا له أخطار عظيمة, والتخلص منها بخطة مرسومة وفي زمن يسير ما أمكننا ذلك يجعلنا ننتبه إلى المشكلة الأصل, وهي بطالة المواطنين وتوعيتهم بأن العمل قيمة عظيمة في حياة الفرد يجب أن يسعى إليها بكل جهده, على أن يعمل في المجال الذي يستطيع الإنجاز فيه, ولو كان عملاً لا فنيات فيه, ويعتمد على قوته البدنية, فليس في كل الأعمال ما يعيب, بل كلها يحث الشرع على اتقانها, ونحن المحافظون على الدين الملتزمون أحكامه كما ندعي, فلنصنف جميع قوة العمل في بلادنا التي لا أظن حتى اليوم لدينا لها إحصائية رسمية دقيقة, ونؤهل كل فئة لما يمكنها أن تعمل في مجاله, ولنتعاون على ذلك عبر المعاهد الفنية المتخصصة, وعبر القطاع الخاص, وأن يتعاون الإعلام مع الجهات الرسمية إلى وضع خطط متقنة لتوعية الشباب بالعمل وقيمته, وأن الإنسان لا تتأكد قيمته كإنسان إلاّ به, وإذا فعلنا وجدنا لكل فئة عملاً, واستطعنا أن نقلل من حاجتنا إلى العمالة الوافدة. والتي أكثرها اليوم من النوع الذي تحدثنا عنه, ونعتاه بالسائب, ممن يدخلون البلاد للعمرة والحج, ويتخلفون ولم نجد لهذا التخلف حلاً حتى اليوم, ومن يهربون من كفلائهم لأسباب متعددة ولم نوجد لهم حلاً لينقلوا إلى آخرين ليبقوا في الداخل نظاميين دون تحولهم إلى عمالة سائبة, وشريطة أن نعدل سلم الأجور للسعوديين خاصة, فليس من المعقول أن يتدنى الأجر للحد الذي يصرفه الشاب على أجرة الانتقال من منزله إلى مقر عمله, فالأجور المتدنية عقبة أصيلة في مشروع السعودة الذي بدأناه من سنوات ولم يتحقق إلى اليوم, ولا أظنه يتحقق في القريب العاجل, إن لم نتفوق على أنفسنا وننظر إلى المشكلة بعلم وخبرة وجهد مخلص, حتى لا تتفاقم المشكلة, ويصبح حلها مستعصيًا, وأما إطلاق الحملات المتباعدة على من لا يحملون الإقامات النظامية, أو أولئك الذي يحملونها ولكنهم ممنوعون من العمل, وقصتهم عندنا تثير الدهشة, فزوجة تلتحق بزوجها ويمنحها الإقامة نشترط ألا يصرح لها بالعمل, حتى وإن كان تخصصها نحتاجه, وذاك الابن لمقيم إقامته نظامية ويستكمل دراساته ويأتي بتخصص نادر نحتاجه, نختم على إقامته بأنه غير مصرح له بالعمل لنضيفه إلى أعداد المتعطلين في بلادنا وهم اليوم للأسف كثر لو أحصيناهم قد نجدهم أكثر المقيمين في بلادنا من غير مواطنينا, كذا زوج السعودية الذي اختار أن يقيم معها في بلادها وهو على كفالتها, تختم على إقامته بأنه غير مصرح له بالعمل, حتى ولو كنا في حاجة لتخصصه, ومن هؤلاء من أصابتهم الحملة الأخيرة؛ لأنهم يعملون في مؤسسات ظاهرة كروضات الأطفال, ومدارس البنين والبنات الأهلية, والمستشفيات الخاصة, وأصبح بعضها خلال أيام خالية وتوقف كل شيء, وحتمًا لم تنته مشكلة العمالة الوافدة في بلادنا بهذا. فهؤلاء لا يمثلون خطورة علينا ولهم أسر مقيمة بيننا إقامتها نظامية معروفة عناوينهم ويجب أن نجد حلاً لقضيتهم يجعلنا نستفيد منهم ونجنبهم ارتكاب مخالفة الأنظمة, وإننا إن فعلنا لتفرغنا لما هو أهم القضاء على العمالة السائبة والمتدنية الخبرات ووجدنا حلولاً لمشكلة البطالة بين مواطنينا, ولم نصبح قلقين على ما تسببه لنا من أخطار, وادعو معي الله أن يوفق من يعملون على حل هذه المشكلة لتنهي إلى أن يجد كل طالب عمل من المواطنين العمل الذي يعيش من خلاله بكرامة, فهو ما نرجو.. والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: