من فضل الله علينا في هذه البلاد أننا جميعًا مسلمون، ونكره أن نُفرِّق بينهم بمُسمَّى طوائفهم، فكلّهم عباد الله مواطنون في هذه البلاد، التي هي في عرفنا خير بلاد المسلمين، فهي التي حوت مقدساتهم، وإليها يحجّون كل عام، فنحن -مواطنيها- نعتبرها أغلى الأوطان لذات السبب، ومادمنا خدّام الحرمين الشريفين «قادة ومواطنين»، فإنّا نرجو أن نكون في أعين إخواننا نستحق هذه المزية، فنرجو لوطننا أن يكون في نُظمه وقوانينه الأفضل، فإني أرى من العيب أن يُقال -من قِبَل آخرين- إن في وطننا قلّة تقل حقوقهم؛ عن كثرة لها من الحقوق ما يجعلها تتغلّب عليهم، فتلك جدلية أفرزها وجود أحزاب في النظم الديمقراطية الغربية، وللأسف أن حتى من لا يميلون لهذه النظم؛ يستخدم بعضهم جدليّتها حينما يختلفون مع الآخرين، فالذين يزعمون أنهم الإسلاميون وحدهم؛ يستخدمونها تجاه مَن يظنون أنهم يختلفون معهم، ويُصنّفونهم بتصنيفات القصد منها تحذير الناس منهم، حتَّى ولو كان واقعهم لا يدعم هذا التصنيف، ومن لهم فكر يُشبه الفكر الطائفي من أهل السنة، يستخدمونه في اتجاه إخواننا من الطائفة الأخرى، أعني «الشيعة»، بأنهم قلّة.. والحمد لله أن نُظم هذه البلاد كلها بدءًا من النظام الأساس للحكم، وما جاء بعده من نُظم للمجالس، ولفئات من المواطنين، كنظام العمل، لن تجد فيه إشارة من بعيد أو قريب عن هذه الجدلية.. فكلهم مواطنون، يتساوون في الحقوق والواجبات، لا ينقص من ذلك الانتماء إلى طائفة أو تيار، وليس من مصلحتنا الوطنية أن يوجد مثل هذا، نحن الذين نسعى إلى وحدة وطنية راقية تجمع بيننا ولا تُفرِّق، ونكون بها يدًا واحدة تجاه كل عداوة للوطن، سواء نبعت داخليًّا ممّن احترفوا الإرهاب (الحرابة)، أو من الخارج من دول تُناهض سياسة بلادنا، فالعداوات التي تُبنَى على أيديولوجية طائفية أو مذهبية؛ هي ما يجب مواجهتها بحزمٍ طوال الوقت، فخطرها على الوطن وأهله عظيم، خاصة إذا جرى على الألسنة والأقلام، وأدى إلى ملء الصدور بالكراهية والبغضاء، حينما يشعر مَن يُوصفون بالقلّة ويُستهان بهم، فحملوها لمَن قللوا من شأنهم بلا سبب معقول، بل بتغليب الهوى، وما تدعو إليه النفس الأمّارة بالسوء، وبعض هؤلاء الذين يدّعون أنهم الأغلبية، يثورون لأن جماعة قليلة من تيارهم استوطن غير هذا الوطن، فنعتهم أحد بالأقلية، وأطلقوا ألسنتهم فيمن نعتهم بذلك بشتَّى السباب والشتائم، ولكنهم في ذات الوقت ينعتون مَن يختلفون معهم بأنَّهم الأقلية، وهكذا كل من أطلق لنفسه العنان باتهام الناس بمجرد الهوى، يقع في مثل هذا التناقض.