موقع الشيخ عبدالله فراج الشريف تربوي سابق وكاتب متخصص
مقالات مشابهة
في كتابه ماذا حدث للسعوديين؟ يدعو «غسان» لاعتبار التنوع أساسًا لفكر ينفتح على الآخر، ويوجّه رسائل للشباب ألاّ يسلّموا عقولهم لأي فكر أو تيار، ويرجو ممّن ضلّلوا الناس في العقدين الماضيين أن يكفّوا عن هذا التضليل
هذا العنوان هو عنوان كتاب ظهر للتوّ في طبعته الأولى عن دار المناهل؛ لشابٍ أرجو أن تحتفي به الساحة الثقافية، هو كابتن طيار “غسان حامد عمر” ابن لأحد روّاد المعرفة في هذا الوطن، ذو موهبة عظيمة في عالم الموسيقى، الأستاذ “حامد عمر” الذي ربطتني به صداقة حميمة زمنًا ليس باليسير.
والكتاب يُمثِّل -ولا شك- ظاهرة في عالم البحث عن أحوال المجتمع، فقد أخذ المؤلّف على عاتقه أن يرتاد ساحة غير مطروقة؛ فيبحث ما الذي جرى للسعوديين عبر الزمن، وحدّد لذلك خطًّا زمنيًّا ما بين عام 1979م وحتى 2006م، ثم فترة أخرى ما بين عام 2006م وحتى 2011م.
وشملت هذه الفترة الزمنية أحداثًا كبيرة، أولها: ما حدث عام 1400هـ، حينما داهمت جماعة ضالة المسجد الحرام، والتي عُرفت باسم زعيمها جهيمان، الذي ترك بتصرفه الأرعن ندبة لن يمحوها الزمن.
كما شملت الفترة التي تجرّأ فيها مجموعة من الشبّان على طائرات أمريكية ليتخذوا منها سلاحًا يُوجّهونه لمبانِ في واشنطن يُقتل فيها الآلاف، ومِنهم مَن يُنسب إلى وطننا.
كما شملت الكارثة التي حلّت بمدّخرات كثير من أبناء هذا الوطن عام 2006م، حين انهار سوق الأسهم الذي بدأ للتوّ، فما استقام عوده حتى انهار، كما شملت الحدث الأهم والأكثر حدّة وهو كارثة السيول في جدة عام 2011م.
وكان لهذه الأحداث الأثر الظاهر في تحوّلات المجتمع السعودي فيما بعد، وفيما لا نزال نتتبعه في الفكر والعمل والسلوك.. وقد استطاع الأستاذ غسان ببراعة أن يتجوّل بنا عبر هذه التحوّلات، ورغم أنه يُحذّرنا منذ البداية أن ما يكتبه لا يصلح للأكاديميين يقرأونه ويتفحصون مادته بعينٍ ناقدةٍ، ويحيلهم إلى أساتذة علم الاجتماع، التي تملأ كتبهم رفوف المكتبات، فهو لا يريد أن يكتب لمتخصصين يُؤلّفون كتبًا، ليقرأها متخصصون مثلهم، كما قال وزيرنا الشاعر غازي القصيبي -رحمه الله- فهو يستهدف بما كتب عامة أفراد المثقفين من أبناء الوطن، رغم أني أرى أن ما كتبه يهم الجميع ويحتاجونه.
وقد طوّف في الكتاب على ما أثارته هذه الأحداث في التحوّلات التي مرّت بالوطن، ولعلها صاغت بعض مواقف أهله.
ففي الفصل الأول في الكتاب تحدّث عن قصة وطن، عن الضبط الاجتماعي فيه، والمثاقفة، وتحدث فيه عن ظاهرة أنصاف من العلماء، وأثرهم السيئ، ثم تحدّث عن زمن الصحوة وآثارها، والمراكز الصيفية كجزء من أثرها، والتبرعات وسيلتها لبناء فكر وجماعة، ثم تحدث في فصل آخر عن المحرّمات، وهي من نواتج وآثار تلك التحولات، الموسيقى، الأطباق اللاقطة، الخطاب الديني وأزمته، التصوير، تشكيل هوية المواطن، أزمة الفكر عبر الأيديولوجيا، وبطر الحق، وغياب ثقافة السؤال.
ولم يترك أمرًا عاناه السعوديون بسبب هذه الأحداث إلاّ وعرّج عليه، وبأسلوب يُسلِّمك من فكرة إلى أخرى في تتبّع هذه التحوّلات التي مرّت بالوطن وأهله فيما اختاره من فترة زمنية ممتدة من عام 1979 وحتى عام 2011، وفي تتبع دقيق للأحداث الكبرى وتحليل يسير لها، يهديك إلى الأثر، وكيف يمكننا إزالته إذا كان ضارًّا.
وقبيل خاتمة الكتاب يتحدّث في مقالٍ له نُشر من قبل عن فصل الخطاب في داء الاستقطاب، متَّخذًا من مذهب الرئيس الأمريكي السابق في الإقصاء والتأسيس للكُره والبُغض مثلاً لما يجب أن يزال، داعيًا لاعتبار التنوّع أساسًا لفكر ينفتح على الآخر، ويوجه رسائل للشباب ألاّ يسلّموا عقولهم لأي فكر أو تيار، ويُوجِّه رسالة لمَن ضلّلوا الناس في العقدين الماضيين يرجوهم أن يكفّوا عن هذا التضليل.
وأعجبني أنه يختم كل فكرة يستعرضها بمقولة لشاعر، ومفكر، أو له نفسه، فعند حديثه عن وصول طائرة سبتمبر يقول: “لا شيء يؤلم أكثر من سقوط قناع ظنناه يومًا وجهًا حقيقيًّا”، وعند فكرة له بعنوان: لا جديد تحت الشمس بمقولة لعلها لكاتبة سعودية تقول: “يُقدِّسون مَن يُحبّون، ويشيطنون مَن يَكرهون، ويُسيئون الظن بمَن لا يعرفون”.
إن قراءة مثل هذا الكتاب متعة معرفية وأدبية، أرجو أن يستفيد منها القرّاء إن اقتنوه، ومرحى للابن البار الأستاذ “غسان حامد عمر”، فله منِّي تحية الوفاء.. حفظه الله ورعاه.
