حينما فكّر الغربيون في استعمار بعض بلداننا العربية والإسلامية، لجأوا إلى علماء لهم؛ اهتمّوا بدراسة الإسلام وأهله، ومواطنهم، وعاداتهم، وطرائق حياتهم، فنشأ في جامعاتهم ما يُسمّى بأقسام الشرقيات، فألمّوا بحضارتنا، ولمّا حان لحكوماتهم أن تستعمر تلك الدول، استعانت بدراساتهم تلك التي فيها المعرفة -كل المعرفة- لمجتمعاتنا، وحضارتنا، وثقافتنا، فاستطاعوا عبر هذه المعرفة أن يسيطروا علينا مُددًا متطاولة، ونحن منذ أن أصبحت لنا علاقة بهم، عبر استعمارهم لبعض بلداننا، ثم لمّا استقلّت واحتاجت أن تُبقي صلة بدولهم، سواء أكانت هذه العلاقة سياسية أم اقتصادية، فإننا حتى أيامنا هذه نجهل حقيقة حضارتهم، وثقافتهم، واليوم وعندنا أكثر من 150 ألف مبتعث انتشروا في أمريكا، وأوروبا، وأستراليا، وليس لدينا في جامعاتنا، ولو قسمًا أو قسمين تدرس حضارة الغرب، وثقافته، وعادات مجتمعاته، بل ونظمه وقوانينه، واليوم وعلاقاتنا بالغرب تتنامى في جميع المجالات، والكثيرون منا يجهل عنه أبسط الحقائق، وكان يمكننا إنشاء أقسام استغراب نُلحق النابهين بها، ليقوموا بأبحاث حول الغرب، «ثقافته، وحضارته، وعاداته، ونظمه، وقوانينه»، لنستفيد من ذلك إن أردنا أن نأخذ من ذلك ما لا يتعارض مع ديننا وقيمه المثلى، وليعلم منا المرتاد لدوله، والمتعامل معها كيف يتعامل معه، ولعرف مبتعثونا -وهم اليوم في دول الغرب بعشرات الألوف- كيف يتعاملون مع تلك المجتمعات التي ذهبوا إليها، لتوفر المعلومات عنها لدينا، وسهولة الوصول إليها دون عوائق، وحتى لا يتعرضوا لمخالفات قوانينهم، أو عاداتهم التي لا يتنازلون عنها، وحتى لا يتصوّر بعضهم أن علاقات الرجال والنساء في تلك المجتمعات لا قيود عليها، فيُتهم باغتصاب الفتيات، أو محاولة ذلك، وأن يذهب إلى هناك ومعه زوجته وخادمة لهم، فيظلون يعاملونها كما كانوا يعاملونها في بلادهم، وينسون أنهم انتقلوا إلى مجتمع آخر له نظم وقوانين تخصّه في مجال العمالة المنزلية، فيقعون فريسة لتُهم بالاتجار بالبشر، وما شابه ذلك، ونقرأ في الصحف بين الحين والآخر أخبارًا بالقبض على بعض المبتعثين بتُهم لم يعرفوا عنها شيئًا، ولا يكفي أن يحدّثهم عنها واعظ في مجلس أو مجلسين قبل أن يسافروا للدراسة، فمثل هذه اللقاءات لا تقدّم معرفة حقيقية عن تلك المجتمعات، التي لم يعرف عنها المتحدّثون أكثر ممّا يعرفه السامعون، فهل فكّرنا مليًّا في هذا الاقتراح؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.