اليوم أصبح الناس يظنون أنَّ الاجتهادَ في الدِّين أمرٌ مباحٌ لكلِّ أحدٍ، ولو لم يعلم بأحكام هذا الدِّين في مصادرها المظنون علمه فيها، من العلوم الدِّينيَّة (أو الشرعيَّة، كما يحب أن يُلقِّبها بعض الناس) من علم الأحكام الشرعيَّة المرصودة في علم الفقه، والذي توصل إليها بالاستنباط من الأدلَّة الشرعيَّة عبر قواعد متَّفق عليها تُسمَّى علم أصول الفقه، وعلوم أخرى مصادر أساسيَّة لها كعلوم القرآن الكريم، وعلوم السُّنَّة النبويَّة، وعلوم أخرى كعلم الخلاف، وما سمَّيناه الفقه المقارن، وعلوم اللغة العربيَّة، ما بين علوم أساس، وعلوم آلة، وهي علوم عظيمة المقدار والقدر، يتمرَّس فيها طالب العلم حتَّى يبلغ درجة عالية فيها، ويكون قادرًا على الاجتهاد، ومن غير المقبول أن يتحدَّث في هذه العلوم مَن يجهلها، ولم يطلع عليها أصلاً، وإلاَّ لأصبحت الدنيا فوضى، كُلٌّ يقول ما يرى دون أن يرجعَ إلى مصدره، وهذا أمر معلوم ضرورة من الحياة، فكلُّ العلوم دينيَّة ودنيويَّة كذلك، لا يقبل من أحد أن يتحدَّث فيها وهو يجهلها، أمَّا الجاهل كهذا الذي يقول: إنَّ الدِّينَ لا علمَ فيه، مثلُ هؤلاءِ الذين أصابَهم العتهُ، وخرجوا عن منطقٍ معقولٍ، فليس لنا حديثٌ إليهم، فليسوا من أهل العقول حتَّى نأبه بهم، واليوم يتحدَّث الكُتَّاب عن زواج القاصرات، ويندِّدون به، ولا حدَّ للقاصر بالسنِّ -كما أعلم- أمَّا البلوغ الموجب للتكليف شرعًا، فهو أن يبلغَ الصغيرُ الحلمَ، كقول الله تعالى: (وَإذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، والحلم أنْ يحتلمَ الولدُ فينزلُ المني، والفتاةُ مثله تُنزل الماءَ، أو الدمَ فتكون بالغًا حينئذٍ تُكلَّف، ومذهب جمهور علماء الأمَّة يرون أنَّ هذا البلوغ هو حد التكليف بالعلامات، يُضاف إلى إنبات شعر العانة، فالاحتلام علامة واضحة على بلوغ الصبيِّ إذا احتلم، وكذا البنت إذا احتلمت، أو حاضت، فقد بلغت، وكُلِّفت بكلِّ الأحكام الشرعيَّة، وأمَّا إذا لم ترَ هذه العلامات، فبالسن أن يبلغ كلّ منهما خمسة عشر عامًا، وشذَّ الأحناف فرأوا سنَّ البلوغ ثماني عشرة سنةً؛ لقول الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)، معتمدين على تفسير سيدنا عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- أن ذلك في الثامنة عشرة، فالجمهور: الشافعيَّة، والحنابلة، وأحمد، وصاحبا أبي حنيفة، وله معهم قول ثانٍ كقولهم: إنَّه خمس عشرة سنة، وذلك أن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عرض على النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وله أربع عشرة سنةً ليخرج معه للقتال، فلم يجزه، فلما بلغ خمس عشرة سنة أجازه، وأمَّا اعتبار من هو أكثر من هذا طفلاً، ولدًا كان أو بنتًا، فلا دليل عليه شرعًا، وأن يبالغ حتَّى يعتبر من بلغ العشرين في بعض القوانين طفلاً، فلا يدل لذلك لغة، ولا علم شرع، وحتَّى عامة الناس لا يعتبرونه. وفقنا الله لما يحبه ويرضاه، إنَّه السميع العليم.