جاء الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين, والذي عقد قبل أيام في الرياض, وأنا أعاني آلاما اضطرتني إلى الاعتذار عن حضوره, ولكني تتبعت ما دار فيه عبر ما نشر في الصحف, ولا بد لي من التعليق على بعض ما جرى خلاله, ولي في البدء رأي في هذه المؤتمرات واللقاءات, التي يتكاثر عقدها هذه الأيام في بلادنا, ويحشد لها المئات من داخل الوطن ومن خارجه, وينفق عليها الملايين ولو تتبعنا آثارها لوجدنا أن الواقع لا يسجل لها أثراً, والثقافة التي ظلت على مدى عقود متوالية تائهة بين رعاية الشباب تجاور الرياضة, فتختطف الرياضة منها التمويل والعناية والاهتمام, فلما أريد أن ينهض بها أضيفت إلى الإعلام,
وبينهما ولا شك تنافر واضح جلي, ففي البلدان المتقدمة لا تجد في تشكيلاتها الوزارية, ما يسمى وزارة الإعلام, وهي في عالمنا الثالث يعهد إليها أن تراقب الإعلام بكل وسائله المتنوعة, والإنتاج العلمي والأدبي والفني, والثقافة لا تنمو إلا في جو الحرية, وفي ظل الرقابة تضمحل إن لم نقل أنها تموت ولا تحيا, وأنا أعلم بيقين أن بعضا من الوزراء الذي أسندت إليهم حقيبة الإعلام هم مثقفون أعلام, ولهم محاولات جادة للنهوض بشقى المسئولية في طور الوزارة الجديد, ولكن أرجو أن يكون قد آن الأوان أن يكون للثقافة مجلسا أعلى للعلوم والآداب والفنون, ترتبط به مؤسسات كبرى, يمارس العلماء والأدباء والفنانون من خلالها إنشاء اتحادات لهم أو جمعيات تنهض بأحوالهم وترعاهم, وتنهي لهم الفرص الملائمة ليمارسوا إبداعاتهم, وقد طرحت هذه الفكرة منذ زمن طويل وحظيت بالموافقة الرسمية, على أن يلحق بها مؤسسة ترتبط بالمجلس يمنح المبدعين من خلالها الجوائز, وفعلا منحت الجوائز في البدء لبعض روادنا, ثم توقفت ولم نعد نسمع عنها شيئا, فالكيان الثقافي يجب أن يكون مستقلا, تمول الدولة أنشطته وترصد له ميزانية, وتتيح له الفرصة أن يعمل باستقلال تام, وحينما يوجد مثل هذا الكيان, فإن الوسط الثقافي ستتاح له الحركة, التي تبعد عنه الشذوذات التي لا تمثل رواده, مثل شذوذ هذا الذي نصب نفسه مفتيا للمثقفين, وهو أبعدهم عن العلم الذي تحتاجه الفتوى, يشهد لذلك مقالاته وسيرته وبدأ يكيل لمن حضروا الملتقى من المثقفين التهم, ونسى أن ليس لمثله أن يتحدث في أمر الدين, وهو ليس من أهل العلم به, والذين يركبون الموجة إذا تعالت هم أول الساقطين منها إذا انحدرت, وبعد أن استمعت له واعظا على شاشة قناة روتانا خليجية أدركت كم يتحدث باسم الدين من يجهل أحكامه, وكلماته تقول له: دعني, وأود أن أأكد له ألا أحد من المثقفين يحمل له عداء, كما يريد أن يبني له مجدا من الأوهام, ولن يمنعه من حضور هذه اللقاءات, فكل الآراء تطرح, ولا يبقى منها إلا ما كان صوابا ينتفع به المجتمع, والمثقف الذي يسعى بزعمه إلى رضوان الله, وأن غيره دوما على معصية, هو من يخطي دوما إذا طرح رأيا, ونحن وللأسف في مجتمع بعض من يدعون التدين فيه هم من يرتكبون وللأسف أشد الحماقات, عبر اتهام الناس بمخالفة الشريعة, ويتهمونهم في أخلاقهم ودينهم, ويحتاجون إلى من يذكرهم أن الصالح من عباد الله المؤمنين هو من لم يدع ما ليس فيه, ومن لا يدعي على الناس ما ليس فيهم, أما من يدعي هذا, فهو من يلتمس للبريء عيوبا, فقد جاء في الحديث عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللَّهِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا , الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ , وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَى اللَّهِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الإِخْوَانِ ، الْمُلْتَمِسُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ) عافاني الله وإياكم من سلوك يسئ إلى خلقه, وحفظ ألسنتنا وأقلامنا أن تجري بالسوء إنه سميع قريب.