عندما تصلك الأخبار متوالية عن رحيل أحباب، عرفت لهم الفضائل والمروءات، يقودهم إلى صلاح دين حفظوا به دنياهم، تحزن لفقدهم، فأمثالهم أمان للدنيا، وهكذا في فترة وجيزة فقدنا أخًا حبيبًا، وصديقًا وفيًّا هو الدكتور الشيخ عمر عبدالله كامل -رحمه الله- فما مضت أسابيع قليلة حتى وصلتنا أخبار عن وفاة المعلم التربوي الفاضل محمد نور قاري، الرجل الذي عرفه المكيّون من الرجال المعدودين المشتهرين بالخلق الفاضل، صاحب المروءة، مَن إذا رأيته اطمأننت إليه، فهو قريب من الناس حريصًا على مجتمعه، وفي التعليم خبر زملاؤه فضائله، وحفظ له تلاميذه المحبة والمودة لبذله العلم والنصح لهم، حينما رأيته أوّل مرة في مجلس أحد علمائنا الأفذاذ رأيت على وجهه الإقبال على الاستماع لما يلقى من العلم والصمت المحفوف بالطمأنينة، فلما سألت شيخنا عنه أثنى عليه، وعلى أخلاقه، وعلى صلاحه، ثم توالى اللقاء الذي لا يكون إلاّ في مجالس علم وفضل؛ حتى ارتبطت رؤيتي له بهذا، حتى أنني لا أتذكّر أني رأيته إلاّ في مجلس علم وثقافة وأدب، أو يؤدّي واجبًا لأبناء مجتمعه المكيّ، الذي كان حبه له مضرب المثل، وسعيه الدائم لصالحه، وهو في أسرته وأقاربه أحد من يعملون لصالح أوقافهم، وما يعود عليهم بالخير، أحببت الرجل قبل أن أعرفه لما سمعت عنه، فلمّا عرفته تأكّد لي أن ما عرفته عن طريق الناس عنه هو الأقل لما كان عليه من الفضل، ومثل الأستاذ محمد نور يفرض في مجتمعه قدوة للصالحين من أبنائه، والمكيّون على اختلاف أنسابهم، أو أعراقهم يؤثر فيهم الخلق الرفيع، وصلاح الدّين، فتراهم دومًا يهتمّون بهؤلاء الذين جعلهم الله أمثلة تحتذى في الدِّين والخلق والسلوك الاجتماعي الراقي، ولا أقول أن ليس بينهم من يهتم بغيرهم، ولكن بيئتي المكيّة علمية، عرّفتني على المكيين النجوم في الفضائل والصلاح، أحببتهم وأحبّوني، لم يجمعنا عرق ولا نسب، ولكن جمعنا حب العلم الذي يقود إلى الفضائل دومًا، ويبعد طلابه الحريصين عليه عن كل الرذائل، وترى المحبة بينهم تفوق ما بين الأقارب من محبة، وتتوثق بينهم الروابط أكثر ممّا تتوثق بين الأقرباء، فالعلم والصلاح أوثق نسب، متّعنا به دومًا، ورحم الله الأستاذ الجليل محمد نور قاري، وأسكنه فسيح الجنان، وعزائي لأسرته ولأهلي بمكة لفقدهم هذه الشخصية الفاضلة، ودعاؤنا له بظهر الغيب، نرجو من الله الاستجابة.