اذهبوا إلى شبكة الإنترنت، وتجوّلوا في وسائل التواصل، وزوروا بعض المشهورين في مواقعهم؛ لتجدوا من هذه المعاصي الكثير
حسن الخلق أقوال وأفعال, والمسلم الذي يطلبه يتذكر دومًا حديث سيدنا معاذ بن جبل, حينما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكف لسانه, وقال: عليك بهذا, وأشار إلى لسانه, فقال معاذ -رضي الله عنه-: قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به? فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ثكلتك أمك يا معاذ, وهل يكب الناس في النار على وجوههم, أو قال: على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم»? وأخطر ما يستعمل فيه اللسان من المعاصي -كما في صحيح مسلم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة? قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: إن كان في أخي ما أقول? قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه فقد بهته». فهاتان معصيتان من الكبائر تكثر في الناس, فتراهم في المجالس يتناولون سيرة أحد من الناس فلا يذكرون له حسنة واحدة, سواء كانت هذه المعايب التي يذكرونها فيه وهي الغيبة: أن تذكر أخاك في حال غيبته, وإن لم تكن فيه فهي البهتان, وهو أعظم من الغيبة, لأنه مع الغيبة انضم إليه الكذب, ولا يظن أحد من الناس أنه سيسلم من أن يُغتاب إذا اغتاب غيره, فالتجربة أن أكثر ما يغتاب من الناس الرجل الغيّاب, الذي يكثر اغتياب الناس, ومن هذه المعاصي أيضًا احتراف النميمة التي هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد بينهم, والنمام كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخل الجنة, وفعله شديد القبح, فهو من النوع الحاقد, لا يرضيه أن يكون بين الناس صلات طبيعية, فيبحث في كلامهم ما ينقله عنهم ليغضب به ما بينهم وبينه صلة ورضا, كأنه يحقد على المجتمع كله, لا يريد أن يكون بينهم محبة أو ود, وتراه دومًا إن لم يجد في كلامهم ما ينقله إليهم, حاول تأوّل أقوالهم ليفسد به بينهم, ولهذا كان من خلق المسلم ألاّ يسمع في أخيه ما يثير في نفسه عليه عتبًا, وأن يسأله قبل أن يغضب منه, ويفسد ما بينهما من صداقة وألفة, ومن خلقه أيضا ألاّ يستمع إلى المغتاب, وأن يحفظ غيبة أخيه المسلم, ويرد على من اغتابه, لتبقى السلامة في الصدور, ومن هذه المعاصي وهي من الكبائر أيضًا الوقوع في أعراض الناس, وقذفهم بالنقائص.. لعل أعظمها الزنا, ثم كل ما كان من إنسان موقع مدح وذم فهي من عرضه, ووسيلتها الأولى الغيبة والبهتان, والقذف جرم عظيم, يساء به إلى المسلم, ويشهر به عن طريقه إذا ذم خلقه أو ذم سلوك نسائه, ولخطورة هذا القذف كان فيه في حالة الاتهام بالزنا أو اللواط الجلد ثمانين جلدة, وأن يُجلد علنًا, ثم التعزير الواجب لكل ما فيه ذم للمسلم أو غيبه, كأن يقال عنه إنه كاذب, أو كافر, أو فاسق, وهذا القذف يصنع بين الناس عداوة وبغضاء, لذا نهى الإسلام عنها وجعلها من الكبائر وشدد العقوبة عليها, ومن نفذ من عذاب الدنيا ففي الآخرة العذاب العظيم, ومع هذا فلا يزال في المجتمع كثير من هذا, وفي التخاطب بين الناس كثير من هذه المعاصي القبيحة, مثل السباب, واللعن, وفحش القول, وبذاءة اللسان, في الحديث «ليس المسلم بالسبّاب, ولا باللعان, ولا بالفاحش البذيء», وفي الحديث المتفق عليه «سباب المسلم فسوف وقتاله كفر» ودعوني أقل: إن هذه المعاصي تنتشر في مجتمعنا بين بعض الناس ولا أقول إن هؤلاء ممن لم يتعلموا أو كانوا أميين, فبين هؤلاء من هو حسن الخلق كريمه, يحفظ لسانه عن كل ما نهى الله عنه, وكذا كل فعل نهى الله عنه, فتراك محبًّا له تطمئن بمجالسته, ومن أقربائنا أمهات وكبار سن لم يتعلموا وهم أحسن الناس أخلاقًا, وتجد من يحمل درجة الدكتوراة ولسانه لا يكف عن هذه المعاصي أبدًا, بل وقد يكون منهم من تخصص في العلوم الدينية ويدّعي التدين, أو يزعم أنه داعية, ولكن أسلوبه في التخاطب مع الناس يجمع بين هذه المعاصي كلها, واذهبوا إلى شبكة الإنترنت, وتجوّلوا في وسائل التواصل من فيسبوك وتويتر وغيرهما, وزوروا بعض المشهورين في مواقعهم, لتجدوا من هذه المعاصي الكثير, وهؤلاء يسيئون إلى مجتمعهم وإلى دينهم, ويصنعون بينهم وبين الناس حاجزًا, بل عداوة تنشأ, وقد ينتقل الأمر إلى ساحات القضاء, ثم نرى لونًا من الاختلاف البذيء, فكل من طرح رأيًا وهؤلاء يعارضونه أطلقوا ألسنتهم حادة في سبه وشتمه واتهامه بكل نقيصة دون أن يعرفوا عنه شيئًا, ولأن هذا السلوك ليس بقليل نسمعه خطبًا وكتابة, وتعجب من علم هؤلاء أن يكونوا سبابين وشتامين وقاذفين الخلق بكل النقائص كل الوقت, ثم تعجب لبعضهم أن يرى في أسلوبه هذا دفاعًا عن الدين, أو إخلاصا له, وما عبد ربنا عز وجل إلاّ بما شرع, لا بما نهى عنه وحرم, وتهدد فاعله بالعقوبة في الدنيا والآخرة, والمطيع لله عز وجل, الذي بينه وبين الله عامر يأبى أن ينحدر إلى هذا المستوى, فهو لا يقول إلاّ خيرًا وإلاَّ صمت, إذا أبدى الرأي فيما يرى أنه حق اكتفى بطرحه ولم يسعَ لاختلاف فيه مع أحد, يعلم أن لسانه إن انحرف وجرى كما حرم الله ألقاه على وجهه في النار, وهو إنما يطيع الله هربًا منها, وستجد الفرق واضحًا بينه وبين من تحدثنا عنهم قبله, فستجد نفسك في لقائك له طمأنينة, يشرق وجهه بنور الطاعة, وصحبتك له تقودك إلى الخير, أمّا هم فلا تطمئن لهم, وتخشى أن اتخذتهم أصدقاء ان يؤثر عليك فتكتسب بعض أخلاقه. اللهم أجمعنا بأحبابك الطيبين الذين هديتهم الطريق إليك, علّنا أن نكتسب منهم, ونتعلم الخلق الحسن, فهو ما نرجو, والله ولي التوفيق.