نطالب بمراجعة أنظمتنا الصحية بدقة وموضوعية لتلائم العصر الذي نعيش فيه وترتقي فيه الخدمات الصحية في شتى أنحاء العالم
أعرف أني عندما أتحدث عن الرعاية الصحية وأنا على السرير الأبيض في أحد المستشفيات التي أصبحت من روادها هذه الأيام أن ما سأقوله يعتمد على المشاهدة والتجربة، وأعلم أن المبررين في بلادنا كثر منهم رسميون ومتطوعون، ولكن التبرير مهما كان مسبوكًا فإنه لا يلغي الحقيقة، فالمريض الذي يراجع مستشفاه الذي يعالج فيه فيجد أن طوارئ هذا المستشفى سواء أكان عامًا حكوميًا أو خاصًا أهليًا ليس بها سرير يضع جنبه عليه، وقد أعياه المرض، واشتد به الألم، ويظل على كرسي لأكثر من ساعتين أو ثلاث وهو يتألم ثم لا يجد هذا السرير إلا بالصعوبة البالغة، ثم إذا أسعف وتقرر دخوله المستشفى ظل على سريره هذا ليوم أو يومين أو أكثر ولم يجد السرير الذي سيعالج عليه داخل المستشفى، ثم إن المبرر الواضح لهذا أن قدرة المستشفى على استيعاب مراجعيه من المرضى ضعيفة إلى هذا الحد أو أن الميزانيات لم تستطع توفير الرعاية الصحية المطلوبة لكل هؤلاء المرضى، فهو يشير إلى أن هناك خللًا في شبكة هذه الرعاية الصحية المتنوعة، الرعاية التي تقدمها وزارة الصحة وهي الأدنى، ثم تلك التي توفرها وزارة الدفاع لمنسوبيها ولما تقدمه أحيانًا للمدنيين لأنها تمتلك قدرات وإمكانيات لا تمتلكها وزارة الصحة، ثم الشؤون الصحية للحرس الوطني ومستشفياتها لمنسوبي الحرس، وغيرهم من المدنيين أحيانًا، وكذا المستشفيات المتخصصة، وهذه المستشفيات الخاصة المنتشرة، وكلها يعاني من عدم القدرة على استيعاب مراجعيه، والمواعيد التي تعطى للمرضى بالشهور أحيانًا تجعل هذه الخدمة مأزومة، فإذا تذكرنا الحملة على من يعملون عند غير كفلائهم من أطباء وممرضين وفنيين تستعين بهم المستشفيات الخاصة، ومن قدموا للبلاد وأخذوا إقامة نظامية مشروطة بعدم العمل، وكانت هذه الحملة تكشف عن أن هذه المستشفيات استعانت بهم، لعدم تمكنها من الحصول على الفيز التي تمكنها من استكمال طاقمها الطبي والفني، مما جعل بعض هذه المستشفيات تغلق بعض أقسامها فإن المشكلة تزداد تعقيدًا، وقد يموت المريض وهو ينتظر أن يسعف وقد يموت وهو ينتظر أن تجرى له جراحة فلم يجد سريرًا في المستشفى ويطلب منه انتظار دوره، والأطباء يتأففون من كثرة المرضى ويعتذرون عند وقوع الأخطاء منهم، إن رؤية ستين أو سبعين مريضًا في اليوم أو أقل أو أكثر لا تتيح له التركيز في عمله، وتزداد الرعاية الصحية عدم قدرة للوصول إلى مستحقيها في الوقت المناسب لهذه الأسباب وأسباب أخرى، فلدينا في مباني المستشفيات ما هو جميل المظهر قد أنفق عليه المبالغ العظيمة حتى يصبح معلمًا ولكنا إذا دخلناه أدركنا ما يعانيه من بداخله من أطباء عددهم قليل جدًا ومرضاهم كثيرون، وفي أحيان هناك أطباء ولكن قدراتهم الطبية متدنية، والكل لا يستطيعون مواجهة أعداد المرضى المتكاثرة التي تراجعهم، والكل يشكو من سنين ولكن الأمر بقى على حاله، والحلول فيما يظهر غائبة، حتى إننا نجد في المستشفيات الحكومية النقص في الأدوية، وحتى أن تجد في بعضها تكليفًا للمريض بإحضار بعض الأدوات التي يلزم استعمالها أثناء العمليات الجراحية وتظل المشكلة الكبرى وجود العدد الكافي من الأطباء المؤهلين والهيئة التمريضية المؤهلة، وعدد الأسرة الذي يفي الطلب عليها، وإلا بقي كثير من المرضى خارج المستشفيات يئنون ولا يجدون هذه الرعاية، خاصة في النسبة الأكبر من المواطنين التي لا تحتمل دخولهم أن يعالجوا في المستشفيات الخاصة، لا عن طريق الكاش ولا التأمين لأنهم خارج نطاقه، وليس لهم القدرة على السفر إلى الخارج عندما تعتل صحتهم، وحينما نتحدث عن نقص عدد الأطباء والممرضين والفنيين في مستشفياتنا فإنا يجب أن نتحدث عن جامعاتنا التي تمدنا بهم، فهي لا تقبل من الطلاب في الكليات الطبية والصحية إلا العدد القليل، مما يترتب على ذلك، أن يكون عدد المتخرجين كل عام أقل، ولا يفي بالهدف من سعودة الطب التي ننادي بها، واتخذنا من أجلها القرار بملاحقة الأطباء الوافدين الذين يعملون في المستشفيات الخاصة إذا لم تكن إقاماتهم على كفالتها، وأخلينا المستشفيات منهم لتزداد المشكلة حدة وتزداد الرعاية الصحية ضعفًا وعدم قدرة على تلبية حاجات طالبيها من المواطنين المرضى، وكل ما نطالب به اليوم بمراجعة أنظمتنا الصحية بدقة وموضوعية لتلائم العصر الذي نعيش فيه، وترتقي فيه الخدمات الصحية في شتى أنحاء العالم ولا أظننا إلا فاعلين، وهو ما نرجو والله ولي التوفيق.