تتردد كلمة «الشرع» ويراد بها ما شرع الله لعباده من أحكام سواء أكانت عقدية أم عملية فرعية، والكلمة في الأصل مادتها: الشين والراء والعين، وهي شيء يفتح في امتداد يكون فيه، ومن ذلك الشريعة: وهي مورد الشاربة والإبل: الشروع، ورويت: والشراع بالكسر شراع السفينة، والشارع: الطريق الاعظم، وأشرع بابًا إلى الطريق، فتحه، واشتق من الشريعة، التي هي مورد شاربة الماء، والشرعة في الدين حيث يقول الله عز وجل: (جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، ويقول: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) والله عز وجل يقول: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ … الآية) فالدين يشرع للعباد، والرسل مبعثون بأصله وهو التوحيد فهم بنو علات أصل دعوتهم واحدة أن اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وشرائعهم مختلفة، والدين الذي ارسل به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي شرعه الله لنا شامل لكل ما اوحى به الله اليه، من عقائد وشرائع واخلاق، ولا يقسم الى عقيدة وشريعة، بمعنى أحكام عقدية مستقلة، واحكام شرعية فرعية لا صلة لها بالأولى، فالكل من عند الله، وهو ما شرع الله لعباده دينًا لا يقبل منهم سواه، ولا يتحقق اتباعهم الدين الا بكل هذا، واطلاق لفظ الشرع، على انه يراد به الدين كله معنى قريب من هذا، واذا كان الدين يشرع فلابد له من شارع حكيم، هو ربنا عز وجل اصالة، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعًا، فهو لا ينطق عن الهوى، وكل ما جاء به دينًا فهو من عند الله، وقد كان بعض العامة في بلادنا يطلقون لفظ الشرع ويريدون به القضاة، الذين يحكمون باحكام الشريعة، حتى ان احدهم شكا للملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله أحد القضاة لظنه انه حكم عليه ظلمًا فقال: ظلمني الشرع، فاستنكر الملك قوله، وامر بحبسه لجرأة على أحكام الشريعة، حتى ابان له مستشاروه انه انما اراد القاضي ولم يرد الشريعة، والذي لا شك فيه ان القضاة لا يشرعون احكامًا، وانما ينفذون الاحكام الشرعية الثابتة، ويتردد اليوم على ألسنة واقلام بعض غير المتخصصين اطلاق لفظ الشرعي على العالم بالدين وهو خطأ كخطأ العامة من قبل، فالعالم الذي علم الاحكام الشرعية ونقلها الى الناس ليس بشارع للاحكام، وانما هو مجتهد للوصول اليها او ناقل لاجتهاد غيره وهو مبين لحكم شرعي مقرونًا بالدليل، وهذه اللفظة مثلها مثل لفظ (اسلامي) فالنسبة للاسلام لا تكون الا نسبة احكام هي من احكامه، اما الاشخاص فهم اذا اعتنقوه سموا مسلمين، اليس ربنا يقول: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا)، فالتسمية المختارة قرآنيًا لمن اعتنق الاسلام مسلم لا اسلامي، ولا يحاد عنها الى غيرها رغبة عنها، ولفظ الاسلامي اطلق من قبل على كل الافكار والمعتقدات في المجتمع المسلم، حتى ولو لم تنسب الى الدين حقًا كما في كتاب مقالات الإسلاميين للاشعري، وذكر فيه من الفرق من هو خارج ملة الاسلام، وإشهار لفظ الإسلامي أو الإسلاميين في مجتمع مسلم على فئة من المسلمين دون سواهم، فيه إيحاء بأن غيرهم ليسوا كذلك، وكأنه نفى الانتماء الى الاسلام عن غيرهم، فتجنب هذا اللفظ أولى من استعماله، ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن لفظ الشرعي قد يطلق ويراد به أن له مشروعية ما، فالأفعال إذا وافقت النظام والقانون كذا إذا كانت وافقة لأحكام الدين الثابتة قيل: إنها مشروعة، ونعت كل ما خالفها أنه غير مشروع، ويحاسب فاعله ومن هنا أيضًا جاء لفظ مشروع، والذي يراد به خطة أو عمل يعد في أي مجال اقتصادي او اجتماعي او سياسي او غير هذا وهو هنا مشروع بمعنى قد شرع في إعداده من يتصدى له فيشرع فيه حتى يكتمل سواء أكان فردًا أو جماعة أو حكومة أو شركة.. ويبقى أن نقول: إن اللفظ لا يكون مصطلحًا حتى يتفق عليه أهل العلم أو الحرفة لا ما يصكه متطفلون فلا نسمي العالم بالدين شرعي وجمعه على شرعيين كما يردده بعض المتطفلين من غير أهل الاختصاص، فالعلماء لا ينقصهم مصطلحات تدل عليهم، فلا حاجة للتذاكي باختراع مصطلحات جديدة لم تعرفها ساحة العلم الدين عبر العصور، ولا حاجة لنا بها في هذا العصر الذي ادعى فيه العلم الكثيرون وتصدى لكل فن من لم يتخصص فيه، فهلا كفّ المتطفلون في خوض ما لا يعلمون .. هو ما نرجو والله ولي التوفيق.