مقالات الموضوع الواحد

نرى ظاهرة جديدة تبرز عبر صحفنا المحلية، تتمثل في الكتابة في موضوع واحد عبر عدد من الكتاب، فحدث مثل هذا الحادث الأليم وهو سقوط طفل في بيارة مجاري مكشوفة، ومحاولة والده أن ينقذه مما أدى أن يلحق به، وعندما يخرجه جندي شجاع يموت قبل أن يصل للمستشفى، وتثور الأسئلة حول المسؤولية عن هذه البالوعة المفتوحة، ويتنصل المسؤولون في البلدية من المسؤولية، ليلقوها على صاحب العقار الذي يحتوي هذه البيارة، وهو يتنصل من المسؤولية أيضًا، ثم تتحرك الإمارة لإجراء تحقيق حول هذه المسؤولية، وكلنا ننتظر النتيجة، وكلنا أمل في أن ينتهي التحقيق بتحديد المسؤولية ومن ثم الحكم بعقوبة رادعة.
وليس في الحدث أكثر من هذا، ولا يتوافر للكاتب عنه شيء جديد، ورأينا عشرات المقالات تتتابع، ولعلها تبحث عن حدث قديم تربطه بالحدث الجديد دون أن تضيف أكثر من هذا على الحدث.
ولأن هذا الأمر يتكرر بشكل يوحي للقراء أن ليس في الوطن مما يهتم به هؤلاء الكتاب سوى هذا الموضوع الواحد، الذي يكرر الواحد ما قاله الآخرون من زملائه، أو أنهم لا يجدون من الموضوعات التي يكتبون فيها سوى هذا، أو أنهم ليس لديهم معرفة وتجربة يمكنها أن توحي لهم بموضوعات حية فيها جدة وتجتذب القارئ نحوها.
فقد رأينا في صحيفة واحدة أربعة كتاب يكتبون في ذات الموضوع في ذات اليوم، وكأن المجتمع خلا من الأحداث التي يُكتب عنها سوى هذا الحدث، وهو رغم أهميته، ولكن لا جديد فيما كتب هؤلاء.
وقد رأينا مقالات تكرر الحديث عن ذات الحدث منذ وقوعه وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال، والحقيقة التي لا أظن أنها تغيب عن متابع صحفنا، أن هذا النمط من الكتابة أصبح ظاهرة يومية فيها، ما إن يكتب كاتب مقالاً عن حدث ملفت للنظر إلا ووجدنا العديد من الكتاب يشاركونه الكتابة عن ذات الحدث ودون جديد، متناسين أن أغلب الصحف لاعتبارات معلومة نشرها للأخبار يأتي في الغالب والغموض يلفه، حتى لا توحي بمسؤولية جهة معينة عنه، وكثيرًا ما نقرأ خبرًا تنقصه المعلومات الواضحة عنه، وينقصه الوضوح في أسلوب كتابته، والمجاهيل فيه أكثر بكثير ممن يشار إليه بمعرفة حقيقية.
ولعل ما يعتري الأخبار في كثير من الأحيان من عدم الوضوح وسوء الصياغة، يجعل كثيرًا من الكتاب لا يجدون سوى أن يقلد أحدهم الآخر حول ما كُتب عن هذا الخبر.
رغم أن ركود الأعمال في بعض المؤسسات الخدمية وتأخرها عن أن تُنجز في مواعيدها توفر مادة وفيرة للكتّاب، تمنحهم العديد من الموضوعات للكتابة ما داموا يهوون الكتابة النقدية لتلك المؤسسات، ولو تحرك هؤلاء الكتّاب للحصول على معلومات صحيحة لظهرت لهم مقالات متنوعة كل يوم، لا أن يكتبوا في موضوع واحد.
وفي أغلب صحفنا نفتقد الكاتب المتخصص الذي يكتب عن ناحية معينة في حياة الوطن، حتى ولو كانت مقالاته نقدية صارخة، ودون أن يكرر نفسه، ولعل ركود الحياة في مجتمعنا لا يساعد على ظهور هذا الكاتب.
وكثيرًا ما أقرأ الكثير من المقالات، ولا أخرج منها بأفكار جادة تتجه إلى تطوير الحياة في هذا المجتمع، فلو جمعنا ما كُتب عن داعش حتى اليوم لو جدنا تكرارًا غير مفيد، ولوضعنا أيدينا على مقالات تخلو عن معلومات تمامًا، ولوجدنا مقالات أخرى تعتمد الظنون، ولا علاقة لها بالحقائق.
وأود أن أهمس لكثير من كتابنا بأن شتم داعش لا يبعد خطرها عنا أو عن أي بلد آخر في محيطنا، ونحن في حاجة إلى الكاتب المتخصص فعلاً في فكر هذه الجماعات، الذي يتوقع تصرفاتها المستقبلية، كما هي حاجتنا إلى الكاتب السياسي الذي يمتلك المعلومات عن السياسة الدولية، لا أن تكون مقالاته المطولة توحي بالردود على كتّاب آخرين ليسوا متخصصين في نفس المجال، فرغم مرور عشرات السنين على صحافتنا إلا أن أغلبها حتى اليوم يحتاج إلى كثير من التطوير والتحديث لتلحق بركب الصحافة في محيطنا العربي قبل أن تتطلع إلى المنافسة في المجال العالمي، ولعلها تطوّر نفسها لتشبع رغبات قرائها، وهو ما نرجو، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: