لا أشك لحظة في أن أسوأ ما يصيب الأمم انتشار المخدرات بأنواعها والخمور بألوانها فيها، فما ميز الله هذا المخلوق الإنساني إلا بالعقل، فإذا زال عقله تدنى تصرفه إلى مرحلة تكون أدنى من الحيوان أحيانًا، والجنون الذي يصيب بعض البشر قد لا يقودهم إلى مثل هذه المرحلة، والعجيب أن يجد الإنسان لذة فيما يفقده عقله، فينطلق من كل قيد يمنعه من أن يأتي من التصرفات ما لا يمكنه أن يأتيه وهو لم يتعاط هذه المخدرات والخمور، فهذه لذة لاشك زائلة، وهي ذات خطر عظيم على من طلبها، فقد يودي بنفسه إلى الهلاك وهو لا يدري.
فقد حرم الله الخمر بنص كتابه العزيز حيث قال: “ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والألزام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون”، فقد نبهنا ربنا إلى أن ثلاثة يأتيها البشر كلها لها تأثير على عقولهم، أولهما الميسر وهو القمار والذي من أدمنه لم يستطع أن يتخلى عنه بسهولة، والذي يؤدي إلى إفقار الأغنياء إن مارسوه، وما كان يصنعه أهل الجاهلية من قمار آخر له صندوق توضع فيه أزام كتب عليها مثلاً افعل أو لا تفعل، ثم تخلط ليتناول منها من يريد أن يقدم على فعل، فإن ظهر بيده ما كان مكتوبًا عليه افعل مضى إلى ما اعتزم من أمره، وإن خرج ما كان مكتوبًا عليه لا تفعل امتنع عما عزم عليه، وإن ظهر ما لم يكتب عليه شيء أعاد الكرة، وهو بهذا يلغي عقله ليكون عبدًا لهذه الأنصاب والأزلام.
وثالثها الخمر: وهي الداء الأعظم الذي يزيل به الإنسان عقله مختارًا فيغيب عنه إدراكه، حتى يأتي من الأفعال والتصرفات ما لم يكن يرضاه لو كان مدركًا لما يفعل.
والخمر هي أم الرذائل، فمن شربها سيأتي بكل ما كان يمتنع عنه وهو حاضر العقل يميز بين الضار والنافع، والخلق الفاضل من خلق الرذائل، وكم يرتكب من زال عقله من الرذائل، حينما يصحو من سكرته يحتقر نفسه، فمن ذا الذي يقدم على هذا، إلا من ضعف إيمانه وتدنى إدراكه ولما كان الخمر يصنع عند نزول الوحي من بعض الأشياء كالتمر والعنب والزبيب إلا أن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ” كل مسكر حرام”، وقال: “ما أسكر كثيره فقليله حرام”، ولهذا رأى العلماء أن كل ما أزال العقل من مادة سائلة أو صلبة فهو حرام، وأجمعت المذاهب الأربعة على ذلك، فما حرم الله الخمر إلا ليحفظ للخلق عقولهم، فمن أزال عقله بنفسه بتناوله ما يزيله، فالعقوبة الدنيوية والأخروية تنتظره، فكلنا يعلم أن الشريعة إنما شرعها الله ليحفظ للبشر دينهم وعقولهم ونفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وشرع لمن لم يتبع أحكامه في هذا المجال العقوبة كحد شرب الخمر بجلد من شربه ثمانين جلدة، وعقوبته الأعظم يوم القيامة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام، وإن على الله عهدًا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا: يا رسول الله ما طينة الخبال؟ قال: “عرق أهل النار أو عصارة أهل النار”، وهي أبشع صورة لعذاب ينتظر شارب الخمر وما قيس عليه من هذه المخدرات التي تنوعت اليوم بما لا يحصيه العدد، من حشيش وأفيون وهيروين الماريجونا المصنوعة من نبات البانجو، والوكا، والكوكائين والكراك، والقات، وما يساء استعماله من الأدوية التي تهدئ أو تزيل الآلام من أجل أن يزيل العقل ودون إرشاد طبيب.
وهذه المخدرات أضرارها تفوق أضرار الخمر بمراحل، وانتشارها في أي مجتمع يخلق جوًا عامًا للجريمة والفساد، وما لم تحارب ويحارب تهريبها إلى البلاد فإن الناس يفرطون في أمنهم وأمان أوطانهم، ولذا نجد كل دول العالم تحارب هذا الداء وتشتد في سن القوانين التي تمنع زراعة المواد المتخذة منها المخدرات، وعدم تهريبها إلى داخل الأوطان.
ووطننا الأغلى بين أوطان المسلمين يحتاج منّا للحفاظ عليه أن تتعاون الجهات الرسمية الموكل إليها مكافحة شرب المسكر والمخدرات وعامة المواطنين يدًا بيد حتى نستطيع أن نجنب وطننا كوارث نرى لها أمثلة في كثير من بلاد العالم، حيث تنتشر فيها العصابات العاملة في تهريب المخدرات ونشرها وإيصالها لكل يد حتى يقضوا على مقدرات الشعوب بالقضاء على همم أفرادها، ولعلنا نسرع في ذلك حتى لا نجد في بلادنا متعاطيًا لهذه السموم، فهو ما نرجو والله ولي التوفيق.