نحتاج إلى استغراب – كالاستشراق – يدرس الغرب ويقوم به علماء من مختلف الاختصاصات، ليبحثوا عن سرّ الغرب الذي حقق هذا التقدم في سائر جوانب الحياة
التغريب التهمة الجاهزة ولفظ يستخدم في غير ما يدل عليه, وهو جعل أحدٍ غريبًا, فاللفظ مأخوذ من غربة أي جعله غريبًا, ولا يعني أبدًا أن يصبح الإنسان غربيًا فكرًا وفعلًا, وأن تكون غربيًا بهذا المعنى لا يعيبك إلا إن صدر منك ما تؤاخذ عليه, فكم من مسلم في الغرب هو خير ممن يتشدقون بالتهم خلقًا ودينًا, ونحن نعلم أن من يوصف بأنه مغرب إنما هي في الغالب تهمة لا تبنى على ادلة, فقد اتسع نطاقها حتى شملت علماء ودعاة هم ممن كانوا يتهمون غيرهم بذات التهمة, فلما اكتشفوا خطأ ما يفعلون, لم يرضِ ذلك تيارهم فأخذوا يتهمونهم بها, ولوراجعت ما يطلق منها تجاه اشخاص وشخوص, لعلمت انها مجرد تهمة لا يمكن اثباتها والحقيقة اننا لا نحتاج الى من ينقل ما يخالف ديننا حقيقة, وهوما لا نظن مسلمًا يفعله, ولكن مع هذا نحتاج الى استغراب كالاستشراق يدرس الغرب, ويقوم به علماء من مختلف الاختصاصات ليبحثوا عن سر الغرب الذي حقق هذا التقدم في سائر جوانب الحياة خاصة منه ما تعلق بالاختراع والابداع, فينظروا في خطط تعليمه وخططه الاقتصادية والسياسية والاسباب وراء نجاحه فيها, وان نبحث في التزام الشعوب الغربية بالدساتير والقوانين, لنعد خطتنا في مواجهته, كما أعد من الخطط ما واجهنا به بعد ان درس احوالنا وكل شيء عنا, حتى استطاع السيطرة علينا, ونحن لم نفعل شيئًا سوى اننا نذمه واكثرنا يستهتر به دون ان يحس بخطر تفوقه علينا, فحاجتنا أن نعلم عن الغرب كل شيء أمسّ من حادته لنفس الشيء عنا, فهو انما يبحث عما يجعله قادرًا على السيطرة علينا من كل وجه, وأن يجعل منا أتباعا له لا مستقلين عنه, أما نحن ففي حاجة ماسة لمعرفة أسباب تقدمه التي جعلت له القدرة على ان يتفوق علينا, فيوجد لدينا هذه الحالة الفريدة الغريبة, التي جعلت منه العدو الذي نعجب به, وبل عند بعضنا المعشوق الذي يريد أن يقلده في توافه حياة الافراد فيه, فنذمه ونحبه, نكرهه ونقلده, وهو حتمًا فيه من الايجابيات ما لوعرفنا كيف نصنعها لنافسناه في حضارته وتفوقه, وفيه من السلبيات ما لو اجتنبناه لحمينا انفسنا من بعض تجاربه السيئة, ولن نكتشف ذلك الا اذا كان عندنا مراكز للاستغراب تدرس احوال الغرب وخصائص شعوبه وان تهتم بذلك جامعاتنا ويكون بها مثل هذه المراكز للدراسات الاستغرابية كما كان في جامعاته مراكز استشراق, أما أن نصم آذاننا عن الغرب ونقف منه هذا الموقف العجيب إما كراهية شديدة له وإما الإعجاب به الذي يستولى على المشاعر والأحاسيس قبل الحواس, وكلنا نعيش على ما ينتجه الغرب لنا علمًا ودراسات في شتى المجالات, حتى أولئك الذين يحملون ضغينة وحقدًا عليه, وما ينتجه من السلع والخدمات, والتي نتسابق على استيرادها, ولا نبحث ابدًا لماذا هوكذلك, ونحن هكذا, فلم يعد ينفعنا الكره للغرب, فالكراهية الشديدة له التي يروج لها تيار يجهل عنه كل شيء لن تنجح في توقي شره, إذا أراد أن يكون شريرًا, ولن تحقق عليه نصرًا ولو وجد في الامة اعداد متكاثرة من ابن لادن واتباعه, ولو انتشرت جماعات القاعدة والقاعدون في شتى ارجاء العالم, والاعجاب به وحده لن ينقلنا من الوضع الذي نحن فيه الى الوضع الذي هو فيه, ولا كذلك الموقع الذي يحتله عالميًا, فالاعجاب الشديد دون العمل لتحقيق ما ينقلنا من مستهلك الى منتج, ومن تابع الى منافس ضار, وهذه الحقيقة قد لا يدركها الكثيرون, رغم دعاواهم العريضة بأنهم اشد الناس ذكاء واعلمهم بحقائق الحياة, ممن تمتلئ الصحف بكتاباتهم وتعرف المنابر حضورهم واصواتهم المرتفعة, وأظن الأمة اليوم في حاجة إلى كلمة مخلصة توعيها لموقف علمي ناتج عن بحث واستقصاء لأحوال الغرب للاستفادة مما صنع من تقدم ومشاركته فيه باستقلال تام وبناء العلاقة معه على هذا الأساس, وهذا يعني أن تعيد النظر في مخططاتها إن كان لها مخططات, بما تستطيع به ان تنهض خاصة في الحقل التعليمي, لإعداد مبدعين لا حملة شهادات يفخرون بما حملوا وليس لهم في نهضتها اثر, فالزمن يمضي ولا نزال لا نرى من الغرب الا مفاسده, وما حققه من تقدم وهو السبب في تفوقه علينا لا نلتفت اليه ولا نعرف له اسبابًا, فالنهضة لا تتحقق عبر خطب رنانة وافتعال جدل عقيم يزيدنا تخلفًا حضاريًا في زمان تتنافس فيه الامم لتحقيق اكبر قدر من التقدم لكل منها فهل نفعل هو ما أرجو والله ولي التوفيق.