مجتمعنا في هذا الوطن، الذي نعده أسعد الأوطان، لأنه الوطن الذي شع منه نور هذا الدين الحنيف «الإسلام» وغمر العالم كله، لأن أهله بشروا به في سائر أصقاع الدنيا، وحملوه إليها نقيًا، لا ليسيطروا على العالم ولا ليستعمروه كما يشيع البعض من المستشرقين، والمعجبين بأفكارهم بين المسلمين، وللأسف، وإنما استجابة لدعوة الإسلام اتباعه ألا يبخلوا بما هداهم إليه من الإيمان بهذا الدين الخاتم، الذي لا يقبل من أحد دينًا غيره حتى تقوم الساعة لقول الله عز وجل: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ)، وهو في الأصل دين الأنبياء جميعًا فالله عز وجل يقول قبل هذه الآية: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، فأصل الأديان الإلهية التي بعث الله بها رسله واحد، هذا هو اعتقادنا الذي أصله في كتاب ربنا فهو يقول لكل نبي أن يقول لقومه: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ) هكذا قالها نوح وشعيب وغيرهما كثير، فجميعهم متفقون في أصل الرسالة بتوحيد الله عز وجل وعبادته، وإن اختلفت المناهج والشرائع، الذي كل منها كان يراعي ظرف الناس في زمانه، حتى جاءت هذه الرسالة الخاتمة، التي انقطعت بها رسالات السماء إلى الأرض، فلن يأتي بعد سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- رسوله، فهذا الدين هو منهج الله في أرضه حتى تقوم الساعة، والمسلمون لم يبخلوا على العالم به بل دعوا إليه الناس فمن آمن نجا بنفسه، ومن كفر فهو ينتظر يوم الحساب ليعلم أنه قد أخطأ وارتكب في حق نفسه إثمًا عظيمًا، هذه هي رسالة الله إلى الأرض في آخر الزمان، والله ناصرها وإن ظن الحمقى أنهم يمكن لهم أن يمحوها من على وجه الأرض، وقد حاولوا ذلك قديمًا وحديثًا وفشلوا، ونحن على يقين أنهم سيفشلون كلما حاولوا، وقد يعاقب الله المؤمنين بدينه إذا فرطوا، لكنه لا يستأصل الخير من أنفسهم، وسيبقون هم هداة الناس إلى الخير ما بقيت الإنسانية تعيش على وجه الأرض، ولكن المجتمع المسلم في كل زمان لن يكون أفراده قد صبوا في قالب واحد متشابهي الفكر والرأي، ذلك أن الفطرة التي فطر الله عليها البشر تأبى ذلك، لذا منذ آمنوا بهذا الدين وهم يتبعونه وإن اختلفوا في فهم نصوص الرسالة فتنوعت بذلك مذاهبهم وتعددت وستبقى على ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكنهم يبقون تحت شعار جامع لا يختلفون هو الشهادتان، فالله ربهم ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيهم، والقرآن كتاب ربهم وهو من سنة نبيهم مرجعهم، قد يختلفون في بعض النصوص ولكن كل هذا يجمعهم، وأنا أؤمن كما يؤمن أئمة هذا الدين، الذين نشروه في هذا العالم، أن المسلمين قد اختلفوا، وبعضهم فيما اختلفوا فيه هم الأقرب لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد يبتعد منهم البعض ولكنهم يظلون على الإسلام، فأئمة الدين قالوا إن تكفير أهل القبلة جريمة تفرق المسلمين وتضعفهم، وانتشار فكر يكفر بعض أهل القبلة ممن اجتمعوا على هذا الدين ولم يفرقهم فهمهم المختلف لبعض نصوصه عن غالبهم، هو خير يجب أن تجتمع كلمة المسلمين عليه، أما أن يتخذ البعض موقفًا مغايرًا عن هذا الموقف، فيكفر بعض المسلمين لاختلاف اجتهادهم فهذا هو الخزي الذي فرق الأمة وانحدر بها إلى مهاوى الهلاك، الذي نرى اليوم له بوادر ويجب أن نسعى لنرتق الصدع قبل ان يتسع لتبقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، وكفانا فرقة بأوهام التكفير الذي فتك بالأمة من حين ظهور فرقة أسمتهم الأمة الخوارج، وبقيت دعوة الضلال التي بثوها تختفي حتى يبعثها من شياطين الإنس من لا يريدون لهذه الأمة أن تبقى الأمة التي منحها الله الخيرية ودعاها أن تكون الأمة الوسط التي تحيا بها الأمم ويؤمنوا بما تؤمن يوم القيامة، اللهم احفظ أمة نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بحفظك وأرعها بعنايتك.