ولا يزالون مختلفين

في كتاب الله عز وجل آيتان تقولان (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، فهما عظيمتان لمن أدرك ما تدل عليهما، فالله عز وجل خلق الناس شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، لا ليتعاركوا ويتقاتلوا، نعلم يقينًا أنه يكون منّا الكافر ومنّا المؤمن، منّا المصيب، ومنّا المخطئ، نتحاور نعم، ولكنا لا نكره بعضنا بعضًا؛ على دين أو فكر أو سلوك، فالله خلقنا لهذا الاختلاف، الذي سيبقى ما بقيت الأرض والسماء، وكل محاولة للقضاء عليه مصيرها الفشل ولاشك، ولكننا قادرون على التعايش رغم هذا الاختلاف، فقد تعايش البشر على مرّ الزمان وهم مدركون لهذه الحقيقة، وانتفع بعضهم من بعض رغم تغاير أديانهم، ولا أشك لحظة أننا المتحدون في الدين إذا اختلفت مذاهبنا أو طوائفنا قادرون على التعايش، إذا لم تصر جماعة منا أن تستأصل جماعة أخرى، فقد عشنا مع اختلافنا أزمانًا طويلة، وكان في كل قطر من أقطارنا العربية والإسلامية تعددًا في الطوائف والفرق والمذاهب، وما ظهر التعصب والاستئصال إلا في زمان رديء، تعطلت فيه العقول عن إدراك حقائق الكون التي هي من تدبير خالقه، وظنوا أنهم أقدر منه لينشئوا لهم عالمًا خاليًا ممن يخالفهم، فلما عجزوا أن يفعلوه في العالم كله، ظنوا أنهم يستطيعون أن ينشئوا وطنًا خاليًا ممن يخالفهم، فلما وجدوا أن ذلك مستحيلًا، ظن بعضهم أنهم بقتل المخالفين يخلو لهم الوطن منهم، فلما لم يجدوا أن ذلك ممكنًا، ظلوا يُكفِّرون مخالفهم، ولا يتوقفون عن ذمه وانتقاده، علّه يرحل ويترك وطنه من أجلهم وهذا محال، وإن حاول الذّب عن عرضه تعاونوا على البهتان وادّعوا عليه بما لم يفعل، ووجدنا عند بعض هؤلاء من يبيح الغيبة والبهتان باسم الدين، والدين منه ومما يقول براء، وما لم تُغلَّظ العقوبة على المُكفِّرين الذين كانوا وراء رزية أصيبت بها أمة الإسلام، وعنها نشأت كل جماعات العنف التي أسالت الدماء أنهارًا في شوارع حواضر الإسلام الكبرى في هذا العصر، ولا تزال تمارس القتل والتحريق والتدمير، والاعتداء على الأموال والأعراض، ما لم ننهض بمواجهة كبرى لمواجهة هذا الفكر الدموي فنعدمه بهذه المواجهة، وبالسلاح أيضًا فإنه لن يتراجع عنه، ولا سبيل إلى السلام في ديار الإسلام إلا هذا، فاعلموا ذلك رعاكم الله.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: