من يعرف عن قرب الأستاذ الكبير محمد سعيد طيب أبي الشيماء يدرك أن لا هم يشغله سوى أن يرى هذا الوطن الذي نعيش فيه في أحسن حالاته، استقرارا وعلو مكانه، وقدرة على اجتراح التقدم في شتى مجالات الحياة فيه، حتى كأن ذهنه لا يتسع سوى للتفكير في ما يحقق الغد الأفضل لهذا الوطن الذي عشق، وعشقه لوطنه ملأ قلبه حباً لأهله، لا يفرق بين احد منهم سواء انتمى إلى طائفة مختلفة أو إقليم أخر،
أو انتمى لهذا التيار أو ذاك، هم جميعا مواطنوه الذي يحرص على أن ينالوا حقوقهم، ويبذل حياته في سبيل ان يسعدوا على ارض هذا الوطن، وهم أعزة كرام، أحلامه كلها تتجدد يوما بعد يوم وكلها للوطن وما ينشده لأهلة من حياة أفضل يستحقونها، لم اعرف قط له خصومة مع تيار أيا كان، يده دوما ممدودة للجميع، ما داموا يجتمعون معه على الغاية الكبرى لرفع راية هذا الوطن ومنحه المكانة اللائقة به، هو أول المناضلين من اجل وحدة هذا الوطن أرضاً وسكاناً، لذا هو أول من تمسك بهذه القيادة التي حققت هذه الوحدة، وهو أول المناهضين لكل ما يمس الوحدة الوطنية أو يتهددها، ووسيلته المثلى للتغلب على كل اختلافٍ يطرأ هي الحوار الذي كان أول دعاته، وأول المشاركين فيه، فالبدائل الأخرى يكرهها ويناهضها، ولا بديل للحوار سوى العنف، وهو أول من ينشر الوعي حتى لا يتسرب إلى مجتمعه، والسرية في العمل والدعوة هو أول المحاربين لها، المدركين لأخطارها العظيمة، يطرح دوما رأيه بكل الوضوح، ويسعى أن يبلغ الجميع، مستخدماً أفضل أساليب الحوار عبر منظومة آدابه ، ولا يزال مؤمنا بالحوار وسيلة للوصول إلى أهم ما يجمع أبناء الوطن على الخير ولا يفرقهم، يبذل العمر كله سعياً نحو غايته مهما وضع في طريقة من عقبات، ومهما وجد من أذى يصده عن بلوغها، لأن لا غاية له سوى نهضة هذا الوطن الأغلى وعزته وكرامته.
ومن صادق أبا الشيماء حكم عبر التجربة الواقعية أنة أوفى الأصدقاء، ومن اتخذه أخا كان له أعز من الشقيق وأقرب منه، يجده وقت حاجته إلية، بل يجده في جميع الحالات ينهض بحقه وكأنة المعني بشأنه وحدة.
وأبو الشيماء المثقف الذي عملة الأهم القراءة، التي لا يستطيع أن يحيا بدونها، لهذا تجده دوماً مطلعاً على كل ما يطرح في الساحة من فكر وأدب وسياسة واقتصاد أو اجتماع، وحينما يعجزك البحث عن كتاب، ستجد الخبر عنة عند أبي الشيماء، هو من ظل يرأس مؤسسة ثقافية إعلامية ربع قرن، خدم من خلالها ثقافة الوطن، فأعان المؤلفين فيه على نشر نتاجهم، ونشر لأساتذة جامعاته بحوثهم، وعني بأطفال الوطن فجلب لهم المادة الثقافية التي تناسبهم وطبع الكتب التي تراعي احتياجاتهم الذهنية ونشرها.
وأبو الشيماء هو الشخصية الوطنية النظيفة، التي ظلت دوماً القدوة لمن يريد أن تكون خدمته لوطنه على أعلى مستوى من الجهد مع الشجاعة التي ترافقها الحماسة لتحقيق أفضل النتائج في خدمة الوطن والنضال من اجل مستقبلة.
والسنوات التي اقتطعت من عمره المديد بأذن الله، وقدمها في سبيل مبادئه التي لم يتنازل عنها قط، والتي هي نضال من أجل حياة أفضل لوطنه، لا تحس قد أنة قد ندم أنه أمضاها خلف الأسوار، بل هو فخور بها لأنها لم تذهب هباءً، فوطنه يرى أبو الشيماء انه يستحق أكثر من هذا الذي بذل.
ومجلس أبي الشيماء الذي يحتشد فيه كل أطياف المجتمع يتواضع ويصفه بجلسة أصدقاء، وينفي عنه أن يكون ندوة أو منتدى، والمجتمعون فيه يناقشون كل قضايا مجتمعهم بكل الحرية المقيدة بالمسئولية، غايتهم المعرفة، لذا فغاية نقاشهم فتح افاقاً أوسع لهذه المعرفة، التي أول ما تتناول الواقع والتعامل معه، هم لا يسرون أمراً، ولا يطمحون في أن يكونوا تياراً وإنما هم مواطنون يبحثون في واقع يعيشونه ويتبادلون الرأي حوله، ليسوا منظرين وإنما مشاركون للناس حياتهم، ويتوقون أن يكونوا أكثر فهماً لهذه الحياة، وأبو الشيماء بينهم كأحدهم لا يشعرون انه يتميز عنهم، أو أن له غاية في زعامة يسعى إليها، أو تكوين تيار يسعى إلى ترأسه، فتلك غايات لا يعرفها ذهن أبي الشيماء.
واليوم ونحن معه نفرح انه قد نال حرية التنقل التي كان محروماً منها خمسة سنوات كاملة، ونرجو له ترحال جميل في أرجاء هذه الدنيا يمارس حريته وأعماله التي تعطلت بسبب ذلك، ونرجو له في سفرة وحلة السعادة.
ونتذكر معه أن العمل للوطن نضال ارتضاه أبو الشيماء لا ينتهي إلا بانتهاء العمر، ونحن ندعو لأبي الشيماء بطول العمر ليواصل مسيرته نحو النبل الذي هو ديدن عمله كله، ونتمنى له دوماً التوفيق والسداد.