لقد كان هذا التصنيف شؤماً على الأمة, يفرقها ويكثـر الاختلافات بين جماعاتها وأفرادها..
تتكرر الألفاظ على الألسنة وتخطها الأقلام في هذا العصر, وكثير من الناطقين بها والكاتبين لا يعون لها معنى, أصغى بعضهم لبعض فعدوها مصطلحات يتداولونها وهم لم يدركوا أحياناً خطورة ما ينطقون أو يكتبون, فلفظ «كالإسلامي» كما هو ظاهر منه نسبة شيء إلى الإسلام, ولكنه لم يطلق قط على المسلم, فالمسلم له معنى مخصوص, سمى الله به المسلمين على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام, وهو يعني من آمنوا بالله ورسله واستسلموا لله بالطاعة, ولكن مع ظهور هذه الجماعات التي تنعت نفسها بأنها إسلامية, وفي أحيان كثيرة من انتسبوا إليها لهم خصيصة ظاهرة ألا وهي الجهل بالإسلام وأحكامه, ومقاصده, فنظروا إلى المجتمع المسلم نظرة هولاء, حيث لم يروا من المسلمين من هو على الإسلام حقيقة إلا هم, مما دعا الكثيرين منهم الخروج على المسلمين بالسلاح, فكفروهم ثم فجروا في مجامعهم ولا تزال منهم فئات تفعل حتى اليوم, ثم تلقف آخرون هذا اللفظ فجعلوه مصطلحاً يقسمون به المسلمين إلى صنفين إسلامي حصروه فيهم وأمثالهم, وغير مسلمين وهم سائر إخوانهم ممن هم على دينهم من سائر الأمة, فكان هذا التصنيف شؤما على الأمة يفرقها ويكثر الاختلافات بين جماعاتها وأفرادها, ولما نصح العقلاء من علماء الأمة أن يترك هؤلاء هذه التسمية تشبثوا بها, وازدادوا تعصباً لها, والغريب أن الإمام أبوالحسن الأشعري عندما صنف كتابه الشهير, الذي عرض فيه الفرق التي كانت موجودة حينما ألف كتابه في الدولة الإسلامية آنذاك كلها حتى ما اعتبره البعض خارج إطار الإسلام وسماه «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين», فاعتبر كل من عاش في كنف الدولة المسلمة هو إسلامي, وإن اختلف مع مجموع قاطنيها ديناً, وفي مقال لي سابق اعترض أحد الأخوة على استخدام لفظ إسلامي وقال: إنه اختراع علماني, وهذا جهل عظيم, فالعلمانية بريئة من هذه التهمة براءة الذئب من دم سيدنا يوسف عليه السلام, فالذين استخدموا هذا المصطلح كما عرفت مسلمون, منهم من زعم أنه الإسلامي وحده, وكأن إخوانه من حوله في أرضهم ووطنهم ليسوا مسلمين, وفي وطن منه شعت أنوار هذا الدين الحنيف, وبلغت الآفاق بجهود أهله, وهم مسلمون كلهم ليس بينهم حتى هذه اللحظة من هو غير مسلم, ولكنهم مصرون على هذا, وها هم اليوم في مصر جماعات حزبية تعددت منها الإخوان والسلفية بأنواعها, يقدمون أنفسهم للمصريين على أنهم الإسلاميون, وأن أحزابهم ذات مرجعية إسلامية, ولهم اشباه في سائر أقطارنا المسلمة, يزعمون احتكار الإسلام, ويصنفون غيرهم بما شاء لهم الهوى أن يصنفوهم, المهم فيما يطلقونه عليهم أن يوحى بأنهم خارج دائرة الإسلام, وهو أمر فيه من الظلم لإخوانهم الشيء العظيم, وأنا على يقين تام بأنه لا يمثل الواقع أصلاً, ثم جاء هؤلاء بما أسموه الأسلمة, ودعوا إلى أسلمة الأشياء والمعارف والعلوم, فهذا سلفي مصري يعلن أن غاية حزبه أسلمة المجتمع المصري, وكأن المصريين غيرهم قد فارقوا الإسلام, وهو وجماعته من يعيدونهم إليه قسراً, وقصة الأسلمة قديمة حديثة, والأمر الذي لاشك فيه أن في ما قد يأخذه المسلمون عن غيرهم قد يتعارض مع دينهم, ولكنهم يعون هذا ويمكنهم تجنبه, أما أن تصبح كل العلوم والمعارف إسلامية, ومنشؤها في بلد غير مسلم, وعلى يد غير المسلمين لا يمكن الزعم بأسلمتها بإدخال بعض النصوص عليها مؤيدة لها أو معارضة, بل إن العلوم الدنيوية النافعة وللأسف منشؤها هناك, وما نحن إلا مستوردون لها غير مشاركين فيها, فالزمن الذي كنا فيه نشارك الأمم حضاراتها ولَّى مع من ذهب من علماء أمتنا الذي أخذوا علوماً كثيرة من حضارات سابقة وأضافوا إليها وصححوا أخطاء فيها, أما اليوم فلا هم لنا سوى انتقاد كل الحضارات المعاصرة, بل وشتمها ولعنها دون أن يكون لنا مشاركة في أحداثها أو التثاقف معها, ولهذا نجد في مجتمعنا أفراداً متحفزين لمهاجمة كل من يكتب عن الفكر في عصرنا الحاضر, بل والتلويح له بتهم لو كانت واضعا لقتل صبراً, والمتهم له جاهل لا يعي من العلم الديني إلا القشور وينصب بجهله نفسه مفتياً, مع أن الفتوى لا تصح بالحكم على إنسان أياً كان بكفر أو إلحاد, وإنما هذا أمر متروك للقضاء, ومما يتهم به الكتاب والمفكرون العلمانية وكثير ممن يصنف بها الناس لا يعلم عنها شيئا, وهي تسمية ظهرت مع حركة التنوير في اوروبا, وهي مناهضة للدولة الدينية, التي كانت سائدة في أوروبا في العصور الوسطى المظلمة, حيث سيطرت الكنيسة على مجريات الحياة في أوروبا وزعم رجالها أنهم الناطقون باسم الله, يحلون ما شاؤوا ويحرمون ما شاؤوا, وكان عداؤهم للعلوم الدنيوية عداء شديداً, حتى أنهم أنشأوا محاكم للعلماء فقتلوا بعضاً منهم وأحرقوا آخرين, فثار عليهم الناس واستبدلوا حكومتهم بحكومة دنيوية لا دينية, ولعل البعض اليوم في البلدان المسلمة يتوق إلى أن يحكموا بنفس الطريقة فيزعمون أنهم العالمون بالدين وحدهم المفسرون لنصوصه المتحدثون باسمه, ولن يكون هذا أبداً, فالإسلام يأبى ذلك, فهلا عاد هؤلاء إلى الصواب هو ما نرجو والله ولي التوفيق.