إن من القيود على الحريات ما يجعل الناس يشعرون أنهم في سجن كبير، خاصة عندما تفرض القيود على حرية انتقال الأفكار والمعلومات، حينما يتهيأ أحياناً للرقيب الرسمي أن منع وصولها إلى الناس يحجب عنهم شراً توقعه، وكان في الماضي لهذا المنع ما يبرره فانتقالها من مكان آخر لا يتأتى إلا عبر وسائل قديمة يمكن التحكم بها، فالاتصال التلفوني مثلاً يمكن السيطرة عليه وحجب ما شاء الرقيب من مكالمات وإن حدثت استدعى من استمع إليها وعرف ما وصل إليه من معلومات وأخذ التعهد عليه ألا ينشرها، والجريدة والمجلة والكتاب لا تصل إلى المواطنين إلا بعد أن يطلع هذا الرقيب فيسمح بما يراه مناسباً لثقافة البلاد المسموح بالاطلاع عليها ومنع كل ما يخالفها من الأفكار والمعلومات، وكم كان يصلنا كتاب قد طمست منه عبارات، أو استبعدت منه صفحات إذا ورد عبر البريد، وإذا عدت إلى البلاد أٌخذ كل ما معك مما يمكن أن ينقل معلومات إلى البلاد من صحف ومجلات وحتى تسجيلات وكتب لتعرض على الرقيب وقد تحجب عنك أشهراً ثم تصل إليك في أسوأ حال، ولكن هذا كله كان في ظل قيود تقنية تمنع وصول الأفكار والمعلومات إلا عبر قنوات معلومة مسيطر عليها، وفي تلك الفترة كان المثقفون يرحلون إلى بيروت أو القاهرة ولبعضهم سكن فيهما يحتفظون فيه بالكتب التي يريدون الاطلاع عليها، فيمضون إجازاتهم كلها في القراءة ليعودوا وقد حفظوا ما قرأوه، أما الآن فالمعلومة متوافرة مطروحة على الطريق لا يمكن حجبها أبداً ولا منعها فوسائل الاتصال الحديثة خاصة الانترنت والفيسبوك والتويتر وغيره أتاحت للناس قراءة كل صحف العالم وكتبه منقولة إليهم عبر تقنية حديثة، أصبح يتعامل معها لا أقول الكبار فقط بل وحتى الأطفال وأصبحنا ندرس مبادئها في مدارسنا، فلم يعد للقيود على الحرية خاصة حرية التعبير أي فائدة ترجى، ومن يفرضها يعلم أنها غير مجدية فهلا كففنا عن المطالبة،هذا ما نرجو والله ولي التوفيق.