لابد من إعادة تأهيل كل من يريد أن يكون داعية أو واعظًا ولا تكون وظيفة من لا وظيفة له وعمل مَنْ لا يجد عملاً
الفتوى في حقيقتها تستلزم قدرة علمية فائقة، ترجم ذلك أهل الأصول بأن أهم شروط الإفتاء أن يكون المفتي مجتهدًا، أي قد بلغ رتبة الاجتهاد التي يحددونها بعلم واسع في سائر العلوم الدينية وذلك حتى لا يتجرأ على الفتوى قليل العلم فيأتي بألوان من العجائب، وعصرنا اليوم تتجدد فيه ألوان من الغرائب لم تعهد من قبل في ساحة العلم الديني، فما عُهد أن عالمًا قد لجأ إلى طرق غير نزيهة ليصنع له شهرة بين الناس،
فقد اشتهر العلماء بالصلاح والتقوى فما منهم من طلب شهرة، وهو يعلم أن ذلك محرم، فإن تلبس رداء شهرة لتلفت نظر الناس إليك نهاك سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فما بالك أن تطلب من خبير إعلامي أن ينهج أساليب يتفق الجميع على أنها غير نزيهة وتعتمد على تزييف لا حدود له، فهذه إحصاءات مزعومة عن متابعيك على وسائل الاتصال الاجتماعي على الإنترنت، وهذه الحشود التي تتابعه من مسجد إلى آخر، ثم ما يزعم أن له مشاهدين إذا ظهر في التلفزيون وأعدادهم كما يطلق من أعد له خطة شهرة أعداد كبيرة جدًا لما يسمونه النجومية، فإذا الأمر كله مخالف للأحكام الشرعية، فهل يقدم على ما يخالف الدين، عالم يرى وظيفته أن يهدي الناس إلى الخير بإبانته محاسن دينهم ودعوتهم إليه، وهذه الحال تتزايد إلى الدرجة التي أصبح بعض من قلّ علمه يبحث عن الشهرة بإطلاق فتاوى غريبة بل يعلم بأنها خاطئة أصلًا، مثل أن يفتي بقتل معين من الناس، أو تحريم شيء من المباحات التي يعلم حلها، أو أن يقع في أعراض الخلق بدعوى أنهم يخالفون الإسلام، ويستخدم أحط الألفاظ وأشدها بذاءة، وهم في الحقيقة إنما يختلفون معه، وتجده يحاول أن يؤصل لسوء الأدب هذا، فيزعم أنه أسلوب قرآني، بل إن أحدهم زعم أن الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- قد سبَّا ولعَنَا، فحل له أن يفعل مثلهما، مع ما في هذا الأدعاء من سوء أدب في حق الله وسيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسمعنا هذا من بعض من ينسبون أنفسهم للدعوة، وسمعناه مع ضجيج أكبر في مصر بعد تعدد قنوات فضائية أسموها دينية وغاب عنها الدين، وحضر كل ما يخالفه، من دعوى تنشر الكراهة بين الناس، بدعوى طائفية أو أخرى عنصرية، وعبر إطلاق تصنيفات تقوم على أهواء أناس تحركهم الأطماع السياسية وما يتبعها من أطماع أخرى بعضها دنيء، وخطاب يتدنى كل يوم، حتى يصل ما يجعل الناس ينفرون منه، وقد ينفر الجاهل من الإسلام، لظنه أن أهل هذا الخطاب يمثلون الدين ومعارفه، فتكون الجناية على الدين أعظم، ولتصحيح هذا السلوك المعوج، لابد من إعادة تأهيل كل من يريد أن يكون داعية أو واعظًا، ولا تكون وظيفة من لا وظيفة له، وعمل من لا يجد عملا، فأثمن ما في حياة المسلم دينه، فلا يترك الدين لمن تتسلط عليه أهواؤه، فيسيء إليه وهو يظن أنه المحسن، فإذا كنا ننادي بمحاربة الفساد في جميع جوانب الحياة في الوطن، لينهض الوطن ويسعد به أهله، فحماية الدين وصونه واجب شرعي يجب أن يقوم به الجميع، وهو لأهل العلم الشرعي ألزم، وما لم يقوموا بواجبهم أثموا، فلا يمنحوا ثقتهم لكل من استخدم هذه الأساليب الرديئة، وتوسل بالدين للحصول على الدنيا، ومن رأوه جاهلًا بالدين حقيقة حتى ولو كان حاصلا على درجة علمية لم يستفد منها، أن يعلنوا ذلك له، ويطالبوه بالكف عن إصدار الفتاوى التي يضل بها أتباعه أولًا ثم عامة الناس، فما يحدث اليوم خطرعظيم على الدنيا والدين معًا، وحماية الدنيا حماية للدين، فما ساحة الدين إلا الدنيا، هي ميدان العمل للآخرة، فإذا لم نصلحها فلن يصلح أمر الدين، فالدين حتمًا لا يصان بما حرم الله من الوقوع في أعراض الناس، ولا بتحريم ما أحل الله، ولا بتكفير أحد من المسلمين يشهد بالشهادتين ويؤدي فرائض الدين،
ولا يباح سبه ولا شتمه أو اتهامه بما لم يفعل أو يكتسب، فقد مضى الزمان الذي يغيب فيه عن الناس حقيقة العلماء أو من يدعون أنهم دعاة أو وعاظ، فنحن في زمن لا تغيب عن الناس الحقائق وهي تأتيهم تسعى دون أن يجهدوا أنفسهم، فإذا علمنا هذا فلنعط كل إنسان ما يستحقه، فيكف الجاهل عن الافتاء ومخاطبة الناس باسم الدين والدين منه براء، وهو ما نرجو والله ولي التوفيق.