الحكومة الدينية والإسلام

مع ظهور الجماعات التي تُدعى إسلامية وتنتهج العنف وتخطط له.. ظهرت أطماع بعض من ينظّرون لها ويوجهونها إلى إقامة تلك الحكومة!!

الحديث عن الحكومة الدينية في عصرنا هذا إنما ينصرف إلى صورة لها كانت موجودة في الغرب أثناء القرون الوسطى, حينما سيطرت الكنيسة على مجريات الحياة, وأدعى رجالها أنهم الوسطاء بين الله والعباد, هم من يفسرون للناس نصوص الكتاب المقدس, وهم من يمنحون الأفراد صفة المؤمن أو الملحد, فحكموا أهواءهم ولم يحكموا الدين, واشتدوا على الناس, وأقاموا لكل مخالف لهم المحاكم فأعدموا وأحرقوا, وضج الناس من حكمهم فثاروا عليهم, ولكف أذاهم عنهم قالوا: بفصل الحكم الزمني عن الكنيسة, وعرف الحكم الآخر بالعلمانية أو الدنيوية, وطبعًا الإسلام بطبيعته كدين رباني لا حكومة دينية فيه على هذه الصورة, ولا تساعد نصوصه الموحاة في الكتاب والسنة على إقامة مثل هذه الحكومة, ولكن هذا لا يمنع أن يفكر أحد شذ فكره في إقامتها, فمع ظهور الجماعات التي تدعي إسلامية وتنتهج العنف وتخطط له, ظهرت أطماع بعض من ينظرّون لها ويوجهونها إلى إقامة تلك الحكومة, التي يمكنهم عن طريقها التحكم في البلاد والعباد, وتطبيق مناهجهم عليهم بالقوة لضعف حججهم, لأنها في الحقيقة لا تنتمي إلى الدين الحنيف, وإنما اجتهادات خاطئة لفهمه, أفرزتها عقول سيطرت عليها شهوة السلطة, فسعت إليها بطرق فيها الكثير من السوء, وهذه الجماعات تظهر في كل عصرٍ ثم تختفي, وهي اليوم تتوسل إلى الناس بالعاطفة لعلها تجتذبهم نحوها حتى إذا حكمتهم أرتهم من المظالم ما لم تعهده أمم الأرض كلها, وهي الآن وهي خارج السلطة تهدر الدماء وتدمر البنيان وتستلب الأموال, وإذا اختلف زعماؤها فيما بينهم لم يرع أحدهما للآخر ذمة, فالتصفيات الجسدية بينهم سائدة عند الاختلاف, ولهذه الجماعات منظرون ومفتون ضج منهم الناس, وهم يطلقون فتاوى لا تمت للدين بصلة, وهي أحكام تطلق بالتكفير للأفراد والجماعات يدفع إليها ضعف دين وغباء عقول, ولاستعمال السلاح سطوة على الناس البسطاء, فيخشون معارضة هؤلاء فيصمتون عنهم, فيظنون هذا تأييدًا لهم والعجيب أن هؤلاء الناس المؤلفين لهذه الجماعات التي ينسبونها إلى الإسلام زورًا قد استقرأوا التأريخ ولا شك وعلموا يقينًا أن أمثالهم لم ينجحوا قط وأن مصيرهم في النهاية أن يتم تفريقهم, وقد يقتلون ويصلبون لأنهم أهل حرابة, وهذا التصرف الملائم لهم عبر العصور الإسلامية, واليوم يقدمون لمحاكمات عادلة, يتاح لهم خلالها الدفاع عن أنفسهم ثم يحكم عليهم, وكم من جماعة نشأت ثم اختفت لأنها مخالفة للدين ومجافية للواقع, وليست المعصية سببًا لتكفير الناس وقتالهم, وإن وجدت في تاريخنا جماعات ظهرت مبكرًا تكفر المسلمين بالمعاصي, وهم الخوارج, فهي التي أسست لهذه الجماعات مناهجها, وظلت جماعة تظهر ثم تختفي لتظهر جماعة أخرى منذ ذاك الزمان وحتى اليوم, ولكنها حتمًا لا تنجح في حكم المسلمين, وحتى لو نجحت في إقامة حكم لها في شكل إمارة صغيرة يأوي إليها أمثالهم فعما قليل تسقط هذه الإمارة في يد جماعة المسلمين ويعود إليهم حكمها, والناس لا يرتاحون لحكم هؤلاء ويعارضونه دومًا مما لا يتيح لهم فرصة أن يحكموهم, وهذه الجماعات تتلون وتتعدد مشاربها, ولكن يجمعها تبرير واحد, فكلها تدعي أنها تدعو إلى الدين وتتظاهر به, فتؤدي الشعائر الظاهرة بحيث يراها الناس, بل وقد تحدث في أجسادها ما تظن أنه يدل على الصلاح, وترى أثر جراح في جباهم لتدل كما يعتقدون على كثرة الصلاة, وظنوا أن قول الله عز وجل في وصف سيدنا رسول الله ومن معه من أصحابه المؤمنين:(محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلَا من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود) يعني ما يحدثه الإنسان من جرح ظاهر في جبينه ويصبر حتى يندمل, فيكون ظاهرًا أمام الناس, وحتمًا ليس الأمر كذلك, فالذي يظهر على وجه المؤمن أثرًا للسجود هو حسن سمت كما قال سيدنا عبدالله بن عباس وقيل ما يظهر عليه من الخشوع, وما يكونون عليه من صلاح, وقيل:علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين ليوم القيامة يعرفون بها لكثرة سجودهم في الدنيا, وهو نور يعلو وجوه الصالحين يلحظة الناس في الدنيا والآخرة, والناس عبر العصور يدركون ذلك, ولو أن أحدًا ظهر عليه أثر حسي من طول سجوده على أرض صلبة أو تراب فليس هو ما يميز على أنه جرح اندمل, والغريب أن ترى جماعة تعلم بعد منهجهم عن الدين, وكذبهم في كل ما ينطقون ويزيفون به الناس مواقفهم البالغة السوء, فترى جلهم له أثر جراح قد اندملت بعد أن أحدثها على جبتهه, يرائي بها الناس ولا يخشى الله, يعمد إلى قتل المسلم لأنه لا يوافقه على رأيه, وينتهك كل الحرمات من أجل ذلك, ويكدس الأموال حتى تبلغ المليارات ليشتري بها الذمم, ولينفق بها على مجرمين محترفين من أجل أن يمهدوا له للسيطرة على الناس ليحكمهم بالحديد والنار ولا يعلم الجاهلون أن هذه الأساليب لا تنصرهم, بل تسقطهم من نظر الناس حتى لا يحبهم أحد, ثم يعود عليهم بالشر فيفرقوا في الأرض شذر مذر بعد كل نهضة شر لهم, ولكنهم لا يعتبرون ويعيدون الكرة بعد الكرة وهم خاسرون, شتت الله شملهم ورد كيدهم إلى نحورهم وحمى الله المسلمين من أفعالهم أنه السميع المجيب الدعوات.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: