الظلم أعظم المعاصي التي توعد الله عليها بأشد العقوبات, فالله عز وجل لا يحب الظالمين ولا يهديهم, وحكم بأنهم لا يفلحون, ولعنهم في محكم كتابه, وتوعدهم بالعذاب الأليم فقال: (إن الظالمين لهم عذاب أليم)), وقال: (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا), وللظالمين الخسران في الدنيا والآخرة فالله يقول: (ولا نزيد الظالمين إلا خسارا) ولكن الأعظم من الظلم أن يجد الظالم له أعواناً, إما لأنهم ينتفعون منه, ويقبضون ثمن إعانتهم له مالا مثلا أو جاها.
وأشدهم خسرانا ذاك الذي يتطوع بإعانته ليرضيه, أو لأنه يخافه, وهذا هو ما يزيد الظلم انتشارا في المجتمعات الإنسانية, فربنا عز وجل يحذر من ذلك فيقول: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون), ويقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعان ظالما ولو بشطر كلمة يأتي يوم القيامة ومكتوب على جبينه آيس من رحمة الله), ومن شكر النعم ألا يعين العبد ظالما, فالله عز وجل يقول على لسان نبيه موسى _ عليه السلام (رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين), ومن يعين الظالم على ظلمه إنما يسعى لإفساد الحياة في المجتمع, فالفساد يحضر حينما يغيب العدل, والأصل أن ينصح الظالم ليعود عن ظلمه, فربنا عز وجل أباح للمظلوم أن يجهر بالسوء, فيذكر ظالمه بما يستحقه, ويرفع صوته بالشكوى منه, وعلى الآخرين أن يعينوه على استخلاص حقه من هذا الظالم, فكلمه الحق التي يردع بها الظالم عن ظلمه هي من أفضل الجهاد فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أعظم الجهاد كلمة عدل عن سلطان جائر), فكل من له سلطة قاهرة يخضع بها الناس لمظالمه, إن لم يجد من يرفع صوته عنده بكلمة الحق والعدل فيستمر في ظلمه, والساكت عن الحق شيطان أخرس.
وأسوأ المظالم في زماننا هذا أن يستعمل الكتاب أقلامهم لتأييد مظلمة نالت مسلمين فرادى أو جماعات, وأخذوا يحرضون على كل صاحب حق صدع به, ولكن الله العادل الذي حرم الظلم على نفسه ثم أمر عباده ألا يتظالموا لا يرضى أن يظلم مسلم وهو برئ, حتى ولو حشد لذلك الناس أليس ربنا يقول: ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) فالنصر مع الحق والعدل ولا شك, فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه, وارنا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه.