الحديث عن الاجماع في هذا العصر الذي قل فيه العلم وانتشر الادعاء فكل من قرأ كتابا أو سمع عالما يتحدث واستوعب حديثه ظن أنه عالما ، وأبتلي المسلمون بمن تركوا تخصصاتهم العلمية اما لأنهم فشلوا فيها أو لأنهم رأوا من زعم انه داعية من هؤلاء الذين يصنع لهم الاعلام الحديث نجومية يتباهون بها بين الناس ثم يربحون بسببها الملايين ، فحبوا ان يلتحقون بهم علهم يحققون ما حققوا فأخذ كل هؤلاء يبدون رأيا في الاحكام الشرعية ليس له دليل من كتاب أو سنة فاذا ناقشهم أحد أن ما يقولونه مجرد رأي زعموا انه مجمع عليه ،والاجماع كما بعرفه علماء اصول الفقه : هو اتفاق علماء المسلمين المجتهدين بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم في عصر من العصور علي امر أو حكم شرعي, وهذا التعريف كل لفظ فيه قيد فالاجماع لايتحقق الا باتفاق علماء المسلمين المجتهدين وهؤلاء لهم شروط معروفة لعلها لا تتوفر في كثير من هؤلاء المتشدقين بالفتاوي الباطلة التي لاسند لها من عقل ولاشرع ، فاذا شذ منهم واحد لم يعد قول باقيهم اجماعا وهذا هو الاجماع الصريح الذي يجهر فيه كل واحد منهم بقوله في المسألة وهو الذي يعتبر حجة قطعية يكفر جاحده كما يقول الفقهاء ، ولعل هذا النوع من الاجماع لم يتحقق من قبل حتي المسائل التي ادعي فيها هذا الاجماع وهي قليلة محل نظر ، ولهذا روي عن الامام احمد انه قال : لاتقل اجمع الناس لعلهم قد اختلفوا ، وفي رواية اخري قال : من ادعي الاجماع فقد كذب, ودونه الاجماع السكوتي ويعرف بأنه ماصرح بالقول فيه البعض وسكت الباقون وحجته ظنية مثل حديث الآحاد وهو الذي تحقق كثيرا ، ويلزم القائل بأن دليله الاجماع أن ينقله عن الثقات ويذكرهم بالاسم, واما علماء العصر فلم يثبت أحد لهم اجماع حتي اليوم لأنه لايعرف لهم لهم عدد فهم متفرقون في كل البلاد الاسلامية ومنهم المشهور ومنهم المغمور الذي لايعرف ولابد للاجماع ان يكون بعد وفاة سيدي رسول الله ففي وجوده لايكون اجماع فالوحي ينزل والدين لم يكتمل بعد, ولابد أن يكون في عصر واحد فلكل عصر اجماعاته فلاينتظر أن يجمع العلماء في كل العصور ,ان يكون المجمع عليه حكم شرعي ويري بعض الاصوليون أن يكون له مستند شرعي ولو كان اجتهادا ودليله مختلف عليه ونحن في هذا العصر بمن لايعرفون شيئا عن الاجماع ويدعونه كثيرا فلابد من التوقي عند سماع دعوي الاجماع حتي لانخدع في ديننا.
قال ابو الأعلي المودودي في كتابه ( تدوين الدستور الاسلامي ) : أن كل ما أتفق الصحابة علي فهمه والعمل به من أحكام الدين وأوامره هو مانسميه اصطلاحا بالاجماع, وهو قول غريب يصدر عن عالم لاتجد له في كتب العلم الشرعي مثالا واحدا فان كان هو من يسمي هذا اجماعا فقد عرفت الاجماع بنوعيه وليس ما اتفق عليه الصحابة علي فهمه من الدين هو اجماع, فطلب فهمهم للنصوص انما يعود لافرادهم لالمجموعهم فليس لدينا من يستطيع ان يقول هذا فهم الصابة كلهم ولو قاله فهو كاذب ، وفهم الواحد منهم لنص لايصبح اجماعا زغاية مايقول فيه : هوقول صحابي ان لم يوجد له معارض فيه منهم فهو من لون الاجماع, السكوتي الذي لايعد حجة قاطعة بل حجته ظنيه وليس الاجماع الصريح كذلك بل هو حجة قطعية عند من يري ثبوته وتحققه, ثم ان حقيقة فهم الصحابة لنصوص الشارع الحكيم ( الله عزوجل ورسوزله صلي الله عليه وسلم )امر ردده الكثيرون ولايمكنهم اثباته بسند صحيح اليهم وانما هو تلبيس ليصبح فهمه للنص وان وافق قول احد اصحابه هو فهم لكلهم ولايستقيم هذا. واستقرأ نصوص الشرع فلن تجد نصا يلزم المسلمين الا يفهموا النصوص الا بف هم الصحابة ، فهي مقولة لاسند لها البتة, واقوال الصحابة عند العلماء مختلف علي كونها دليلا في الشرع ، فهناك من يري ان قول الصحابي يكون حجة اذا لم يكن له مخالف منهم ولكنه حجة ظنية لأنه من الادلة المختلف عليها, وقول احدهم ولامعضد له من سائرهم ولو بالسكوت عند الجمهر لاحجة له لذا نسب الي احد الأئمة قوله : هم رجال ونحن رجال ، فاذا كان الأمر امر اجتهاد فلا احد يلزم باجتهادات الصحابة, ولكن الدعاية الدينية في هذا العصر اضفت قدسية علي اقوال بعض العلماء في بعض الأقطار حتي وان كان خطؤها ظاهر, فقول ابو الأعلي المودودي هنا لااصل له في شرع ولاعقل. والله ولي التوفيق.