سيدنا رسول الله له الشرف المتقدم على غيره من الأنبياء والرسل بشرف ما جاء به, وكل محاولة في هذا الزمان لمنع الثناء عليه؛ لأنه يمثل أشرف الأنبياء والمرسلين, أو أشرف الخلق هي مضيعة للوقت, لا معنى لها.
قرأت في إحدى صحفنا مقالاً عنونه صاحبه بـ(الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم توقيفية), والعنوان هنا لا يمثل كل ما تحته, فالمقال وإن ناقش هذه القضية وحاول إثباتها, إلاّ أن الغرض من المقال شيء آخر, والكاتب مبتلى بالاستطراد, الذي يبدأ بشيء وينتهي إلى شيء آخر بعيد عنه كل البُعد, فمقالاته المطوّلة المحشوّة بكثير من الأفكار التي لا رابط بينها, بينها, يجعلك لا تتابعه, وموضوعه الأساس والذي من أجله كتب مقالته هذه هو اعتراضه على طلبة العلم على قول (أشرف الأنبياء والمرسلين) عن سيدنا رسول الله محمد بن عبدالله. ولما قرأت المقال تبادر إلى ذهني أقوال لذلك الكاهن القبطي الذي قصر نشاطه على مهاجمة الإسلام, ونبي الإسلام, فقد نفى عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن يكون أشرف الخلق لنفس الأسباب التي يذكرها هذا الكاتب, حيث يقول: (وإذا ذُكرت أشرف في سياق ما لبيان ميزة المصطفى عليه السلام, فيلزم تخصيصه بعلو المنزلة, لأن أول ما يتبادر للذهن في لغة العرب من كلمة الشرف شرف النسب والحسب والعرض, ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق قاطبة بمجمل فضائله لا بآحادها, فموسى عليه السلام خصّه الله بفضيلة هي بمكالمة ربه له, وأنزل عليه بعض الأحكام الشرعية بمكالمته إيّاه, وخص الله إبراهيم عليه السلام بخصال, فكان خليل الرحمن, وأمة وحده, وهكذا شرف الحسب والنسب, فنسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أزكى نسب في العرب لم يولد من سفاح, ولكن نسبه إلى من دون إسماعيل عليه السلام على نجابته ليس بأشرف من نسب يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليه صلوات الله وسلامه, وليس أشرف حسبًا من أنبياء الله ورسله من بني إسرائيل الذي تسلسل نسبهم بالأنبياء وملوك الحق إلى أبيهم إبراهيم).
وهو نفس المعنى الذي حدا بالكاهن النصراني أن يقول إن محمدًا ليس أشرف الخلق, لما قال إن كل أنبياء بني اسرائيل يفوقونه شرفًا, وهو أمر لا يثبت إلاَّ بدليل شرعي, كما أن تخصيص الشرف بالنسب والحسب فقط فهو تخصيص بغير مخصص, فالعلم شرف, والأخلاق الفاضلة شرف, ونقاء العرض شرف, ولا شك وكلها لرسول الله مجتمعة, وشرف النسب له فيه القدح المعلّى, فإن كان سببه انتسابهم إلى إبراهيم, فهو معهم منتسب إليه, وإن كانوا أبناء إسحاق فهو ابن إسماعيل, ولا معنى قصر نسبه إلى ما دون إسماعيل إلاَّ على سبيل التشكيك الذي لا نرتضيه, وقرن هذا بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما هو للبحث عن مبرر لفائدة طرح مثل هذا الموضوع, في هذا الوقت بالذات, وأعداء الدين يصوّبون سهامهم المسمومة للإسلام ولنبي الإسلام, فمسألة التوقيف للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم, على الصلاة الإبراهيمية المعهودة يعتريه الضعف.. فالله عز وجل أمرنا بالصلاة والسلام على النبي فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا), وقد صلى المسلمون على النبي فقالوا: صلى الله عليه وسلم, وأضافوا الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: أصلي وأسلم على أشرف خلق الله, أو أصلي وأسلم على سيدنا محمد وآله, وتتعدد الصيغ منذ تدوين العلوم الإسلامية أو الدينية وحتى اليوم دون نكير, ولم نر أحدًا من أهل العلم ألزم مصليًا على سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالاقتصار على الصلاة الإبراهيمية في غير الصلاة, فالحديث عن التوقيف إنما حشر حشرًا حتى لا يقال عن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أشرف الأنبياء والمرسلين) رغم أن الكاتب صرح بأنه -عليه الصلاة والسلام- وهذه صيغة أخرى للصلاة والسلام عليه لم يستنكرها أحد من أهل العلم, بل استعملوها, أفضل الخلق, وهذا يعني أنه أفضل الأنبياء والرسل, وما دام أفضلهم, فهو أشرفهم بشرف ما بُعث به متممًا لمكارم الاخلاق, في الرسالة الخاتمة التي تميّزت بأنها المهيمنة على ما سبقها من الرسالات, أليس الله يقول: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه), (فقد جاء كتاب ربنا الذي بعث نبينا بما في الكتب المتقدمة من الخبر عن الله, وعن اليوم الآخر وزاد بيانًا وتفصيلاً, وبين الأدلة والبراهين عن ذلك, وقرر نبوة الأنبياء كلهم, ورسالة المرسلين, وقرر الشرائع الكلية التي بعث بها الرسل كلهم, وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع الحجج والبراهين, وبيّن عقوبات الله لهم ونصره لأهل الكتب المتبعين لها, وبيّن ما حذف منها وما بدل, وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة, وبيّن أيضًا ما كتموه ممّا أمر الله ببيانه, وكل ما جاءت به النبوّات بأحسن الشرائع والمناهج الذي نزل بها القرآن, فصارت له الهيمنة على ما بين يديه من الكتب من وجوه متعددة, فهو شاهد بصدقها, وشاهد بكذب ما حرّف منها, وهو حاكم بإقرار ما أقره الله, ونسخ ما نسخه, فهو شاهد في الخبريات, حاكم في الأمريات), فسيدنا رسول الله له الشرف المتقدم على غيره من الأنبياء والرسل بشرف ما جاء به, وكل محاولة في هذا الزمان لمنع الثناء عليه بأنه يمثل أشرف الأنبياء والمرسلين, أو أشرف الخلق هي مضيعة للوقت لا معنى لها, فسيظل المسلمون يثنون على نبيهم على مدى الزمان حتى يأذن الله لهم بلقائه, والشرب من حوضه, ومصاحبته في الجنة, فهم المحبون له المعتدّون بشرعه, أمّا أهل الجفاء الذين لا يجدون ثناء عليه إلاّ واعترضوا فلن يتلفت إليهم أحد, وجزاؤهم الإهمال, وهو ما نريده, والله الموفق لكل خير.