أصول الإيمان وثوابت التطرف

الذي لا شكَّ فيه أنَّ الايمان في الإسلام معلوم، واضح، جلي، لا يحتاج في زمن التطرّف أن يهدى إليه أحد ممَّن صنعوه، فمن نهجوا في الحياة منهج التكفير بدءًا، ثم أدَّى بهم حتمًا إلى التفجير، وإزهاق أرواح المؤمنين، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم، ونشروا الرعب والفوضى ما أمكنهم ذلك في ديار المسلمين، بدءًا بفرقة الخوارج التي ظهرت في القرن الأول الهجري، وحتى آخر جماعة إرهاب هي اليوم شاغل المسلمين، والتي سمَّاها الناس اختصارًا داعش، فأوَّل ما يحاول هؤلاء أن يدعوا للإيمان مدلولًا غير المدلول الذي جاءت به نصوص الدِّين، وجعلوا له شرطًا أساسيًّا، أو ركنًا لا يتحقق إلاَّ به، غير ما جاء في النصوص، وعرفه المسلمون عبر تاريخهم، ليشكِّكوا الناس في الدِّين، ثم ليخرجوهم منه بادِّعاء أنَّهم لا يعرفونه. كان همُّ الأوائل منهم أن يخرجوا الناس من دينهم، بادِّعاء أنَّ من ارتكب ذنبًا من الكبائر خرج من الملَّة، وتتبَّعوا المسلمين أفرادًا وجماعات ليجدوا لهم عذرًا في تكفيرهم عن هذا الطريق، وما لم يكن كبيرة جعلوه هم من الكبائر، وحتَّى جعلوا غفران الذنب العظيم مستحيلاً، بل لقد ادَّعوا أنَّ المسلمين باعتبار أنَّهم لم يكفروا مرتكب الكبيرة قد اتبعوا سبيل غير المؤمنين، بظنون لهم جعلوها ثوابت، ثمَّ طوَّروا هذا بتطوّر الزمان، فجاء منهم في آخر الزمان من اعتبر أ،َّ أصل الإيمان أن يعترف العبد بـ»الحاكميَة»، وهي ذات ما دعت إليه الخوارج في أول الزمان، حينما أنزلوا آيات من كتاب الله أنزلت في غير المسلمين على المسلمين، ليجدوا طريقًا إلى تكفير من لا يتبع طريقهم المؤدِّي إلى النار -بلا شك- حين تزهق الأرواح، وتسلب الأموال، ويعتدى على الأعراض ظلمًا وعدوانًا، فوجدوا أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قال على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)، والآية نزلت في المشركين لا المسلمين، والحكم إنما هو حكم القضاء الذي يعتمد على نصوص الشرع، لا ما يدعونه -آنذاك- في أن الاحتكام إلى القرآن الكريم حين التنازع حكم بغير ما أنزل الله بزعمهم، كما ادّعى الخوارج حينما احتكم سيدنا علي بن ابي طالب -رضي الله عنه، وكرَّم وجهه- والصحابي معاوية بن ابي سفيان -رضي الله عنه- إلى حكمين يعرضان نزاعهما على كتاب الله، ولم يريدوا -ولا شك- إنفاذ حكم الله، وإنما جعلوا ذلك سببًا لتكفيرهما معًا، ومن خلفهما من قبل التحكيم ممَّن اتبعوهما فيه، وكما يستدل خوارج العصر بإخراج كثير من المسلمين من الملَّة اذا اجتهدوا فيما ساغ فيه الاجتهاد بقول الله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ)، وقد نزلت في اليهود، ثم نزلها الخوارج على المسلمين، وجاء المتطرّفون منهم في عصرهم فزعموا أنَّ ما سمّوه الحاكميَّة الأصل الذي إذا انتفى، انتفى وجود الدِّين، كما يقول سيد قطب، حيث يقول: (إن وجود الدين هو وجود حاكمية الله، فإذا انتفى هذا الاصل، انتفى وجود هذا الدين)، فأعرضوا على أركان الإسلام التي هي أصوله، واخترعوا لهم أصلاً لم يأتِ به شرع، ولا أيَّده عقل، ومعلوم الحكم لله في وجود الخلق، وفي الحكم بينهم، ولكن ليس بهذا المعنى، الذي يراد منه إخراج المسلمين من دينهم، فإذا حكم المجتهد فأصاب فله الأجران معًا، وإن حكم فأخطأ كان له أجر الاجتهاد فقط، فلما قال الخوارج في التحكيم إن الصحابة حكموا الرجال في الدين قالوا لهم: إنما حكمنا القرآن، فهذا القرآن خط مسطور بين الدفتين، لا ينطق بلسان، ولا بد له من ترجمان، وإنما ينطق عنه الرجال، والله -عزّ وجلّ- يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)، ورده إلى الله الحكم بما دل عليه الكتاب. والرد إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأخذ بسنته، والقاضي حينما يحكم فإنَّما يحكم بما دل عليه الكتاب والسنة، ولكن العقول إذا فسدت لم تعرف الحق، ولم تفصله عن الباطل، وهكذا فكل الجماعات المتطرِّفة اليوم إنما لها ثوابت، هي في الأصل ثوابت الخوارج الذين قاتلوا صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والجماعات تحاربنا بثوابتهم الباطلة اليوم، وقد أمرنا بقتالهم حتى يفيئوا إلى أمر الله، وحتى ندرأ خطرهم علينا، وعلى الإسلام. فهل نحن فاعلون؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: