لابدَّ أن نعرف أنَّ الرّوح إذا رحلت عن الجسد مات، وساعات قليلة يبدأ التحلل فيها، حتى تنتهي إلى عدم، إلاَّ ما يبقى لإعادة الحياة يوم القيامة، فالجسدُ فانٍ، والرُّوح باقية، وهذا الجسد الفاني لا محالة في الدنيا، لا تستحق رغباته أن تعارض أصولاً لما يحيي الروح الباقية، وما يحييها تكفَّل بها هذا الدِّين الحنيف، الذي جعل لمن أحييوها بطاعة ربهم، والبعد عن معاصيه ما يجعل لهم عند ربهم المكانة العُليا، وقربهم إليه حتَّى كانوا من الصدِّيقين، هؤلاء هم مَن عرفوا الطريق -ولا شك- إلى سعادتَي الدنيا والآخرة، وأضاءت الطاعة وجوههم، حتَّى ارتاح إليهم عباد الله، وسمعوا منهم النصيحة التي تقودهم إلى الطريق المنجي من آثار الآثام والمعاصي، وهم في دنيا الناس قلة، وعلى المسلم أن يبحث عنهم، ليكون بين يديهم تلميذًا يتلقَّى عنهم علمًا يوصله إلى ربه فيأمن -بإذن الله- في دنياه كما أمنوا، ثمَّ في أخراه، وهو الأهم، فلا شكَّ أن مطالب الجسد ليحيا يسيرة، لا تحتاج إلى عظيم جهد، ولكنَّ مطالب الرّوح تحتاج لجهد عظيم ليصل المسلم أن يلبيها حتَّى تأمن الروح، ولا شكَّ إذا أمنت أمن الجسد، حتَّى يأتي اليوم الموعود، واسألوا مَن عاشوا في ظل الروح بعد أن اهتدت إلى خالقها، وسيَّرت العبد إلى طريق يوصله إلى الله عزَّ وجلَّ، كم ناله من الأمن في الدنيا روحًا وجسدًا، غاية وصلة، إنَّها -والله- هي الطريق الأسمى والأفضل إلى حياة ملؤها السعادة، فللعلم بالله، والطاعة له لذة لا تعادلها لذة لو علم الناس السادرون بغيّهم في الدنيا، فتلك لذة لا تشابهها لذة، ولا تجد مثلها في الدنيا أبدًا، إلاَّ إن كنت من أهلها، وإنِّي على يقين أن كثيرًا منَّا سيحسُّ بلذاتها إن سلك الطريق إلى ربه، وقد علم به وبأحكامه علمًا يقينيًّا، فكانت الطاعة حياته التي يتقلَّب فيها ليله مع نهاره، ولم يمنعه ذلك أن يعمل لدنياه بما يجعلها آمنةً مطمئنةً، ولا تكون كذلك إلاَّ باتِّباعه شرع ربه المعلوم يقينًا من كتاب الله، وسنّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وخالط الناس بما يرجوه لهم من صلاح رضيه لنفسه، وهكذا يواجه الموت الذي هو قدر محتوم، غير خائف، عالمًا -بإذن الله- بما يلقاه بعده، وموقنًا بأن الله به رحيم، قد جعل خير أيامه اليوم الذي لقيه فيه، وهو -بإذن الله- راضٍ عنه، فافعلوا.. جزاكم الله خيرًا.