قد يخدع مثل هذا بعض العامة, لكنهم عمّا قريب سيكتشفون زيف هذه الأحلام, ومَن روّجها..
بين الأحلام والرؤيا فرق ولا شك, فالأحلام قد تكون استعادة لما وقع في اليوم من الأحداث, وقد تكون حين الإجهاد والتعب كوابيس متلاحقة, وعمومًا فرّق بعض العلماء تبعًا للأثر أن الأحلام من الشيطان, بينما الرؤيا وهي مشاهدة أمر محبوب في المنام, هي من الله بشرى للمؤمن, وهي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة, إلاّ أنها باتفاق لا تُعتبر دليلًا شرعيًّا, ولا يشرع بها حكم, وهي أنواع ثلاثة: رؤيا صالحة بشرى من الله, وأخرى رؤيا تحزين من الشيطان, وثالثة رؤيا تحديث يحدّث الإنسان بها نفسه, أو أضغاث أحلام, جاء في الحديث الصحيح: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب, وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا, ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة), ولكن تزايد الرؤيا في هذا العصر, وتطوع الكثيرين ممّن لا علم لهم بتفسيرها وتأويلها جعلها كل ذلك مزلة أقدام, وها هي أحداث مصر تفرض لونًا من الرؤيا اعتبرت ترويجًا سياسيًّا لفصيل سياسي سموّه حينًا “إسلامي”, وأحيانًا “إخوان مسلمين”, وهو فصيل متحزّب للوصول إلى مقاعد الحكم, يبذل في سبيل ذلك كل ما يمكنه بذله ليتمتع بالسلطة, ولينتقم من مخالفيه, فظهرت الرؤيا التي في الغالب كاذبة ممّا حذر منه سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: (إن من أعظم الفرى أن يُدعى الرجل إلى غير أبيه, أو يرُى عينه ما لم تر, أو يقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل), وقوله: (من تحلم بحلم لم يره أمر أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل), كناية عن استحالة هذا الفعل أن يعقد إنسان بين حبتي شعير, وهو حينئذٍ من الكاذبين, ودعاوى رؤية الرسول -صلى الله عليه وسلم- تخدع بها الناس ليتابعوك فيما تقول, أو يضعوا عليك صفة الصلاح, وأنت لست من أهله كثير على مدى العصور, وفي بعض هذه الرؤيا المدّعاة إساءة لسيد الخلق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فهذا أحدهم واسمه جمال عبدالهادي يقول: إن هناك رؤى تواترت على ألسنة الصالحين بأنهم شاهدوا جبريل -عليه السلام- بمسجد رابعة العدوية, وأضاف إنهم يقولون: شاهدنا جبريل في مسجد رابعة العدوية يثبت المصلين بالمسجد, ويردد وراءه المستمعون له: الله أكبر فقد ضمنوا النصر على مخالفيهم ما دام كما ادّعى أن جبريل في صفّهم, ولم يلبث أن أضاف رؤيا جديدة تقول: إن أحدهم رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مجلس ومعه الرئيس مرسي المعزول, وحان وقت الصلاة فقدم الرسول عليه الصلاة والسلام مرسي ليؤمهم في الصلاة, ومعهم الرسول, الذي لم يصل مأمومًا قط! ولم يكتف الأخ جمال بهذا, فأضاف رؤى جديدة لهذا الترويج السياسي غير المعقول من رؤى أغلب الظن أن لم يره أحد, وهي أن أحدًا رأى في المنام أنه قد حط على كتف مرسي ثماني حمامات خضراء وأوّل ذلك بأنه سيبقى حاكمًا ثماني سنوات, إلاّ أن الرؤيا فيما يظهر لم تكن صالحة, فعزل مرسي بعد تمام سنة من حكمه برغبة من مواطنيه, وسمعت أحدهم يروي أنه رأى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والرئيس مرسي ينامان على حجره, وهو يدلك لهما رأسيهما, ويحرسهما, وانتشرت بعد ذلك الرؤى والأحلام التي تروّج لحكم الإخوان لمصر, وأن منهم الإمام الذي لا يُقهر, وتجاوب مع ذلك مواقع للرؤى على شبكة الإنترنت مثل موقع صائد الرؤى, وموقع المسلم, وبدأ التأييد لها, والتحريض على تكفير من لم يؤمن بها, وقد يخدع مثل هذا بعض العامة من الأميين بعض الوقت, ولكنهم عمّا قريب سيكتشفون زيف هذه الأحلام, وزيف مَن روّجها وبُعده عن العلم شرعيًّا كان أو دنيويًّا, وإن الدافع لهذا كله إنما هي أهواء مضلة, ولو أحسن الإخوان حكم مصر لبقوا حكامًا أمدًا طويلًا, ولكن أراد أن يكشف زيفهم سريعًا ليخلص منهم البلاد والعباد, فليس كلّ مَن ادّعى صلاحًا هو صالح, ولا مَن ادّعى علمًا هو عالم, أسأل الله عز وجل أن يحمي مصر وأهلها ممّا حل بها, لتعود إلى أمتها سليمة معافاة, إنه السميع العليم, فهذا ما نرجو, والله ولي التوفيق.