لا يقام حق بوسيلة هي محرمة في الشرع، ومن الكبائر، كاتهام الناس بالزنا أو الفسق أو السرقة وما شابه ذلك!!
مما يعلم بديهة أن الإسلام أعلى الفضائل وحث عليها، بل جعلها أحكاماً واجبة النفاذ، يحرم على المسلم تركها أو عدم التحلي بها، بل إن من جاء به إلى الخلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، صرح أنه إنما بعث إلى الثقلين ليتم لهم مكارم الأخلاق، فمكانة الفضائل إذن في هذا الدين الحنيف هي المكانة الأسمى، لا يصح للعبد إيمان ولا إسلام إلا بها، ومن نظر في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وبارك يجد ما قلنا بيناً واضحاً لا يحتاج إلى بذل جهد لإمعان فكر وجهد استنباط. وكما أوجب الدين الالتزام بالفضائل، فقد حرم كل الرذائل ما ظهر للناس منها وما بطن، فالمؤمن حقاً مجتنب لكل الرذائل وجوباً، فلانشك أبدأً أن من أعتناق هذا الدين هو أقرب قبولاً للفضائل من غيره ممن اعتنق ديناً أو أفكاراً أخرى، وهو أقدر على تجنب الرذائل إذا كان إيمانه بدينه صحيحاً وقوياً،
ويبقى بعد هذا أنه من البشر عرضة لأن يقع في الخطأ، ولكن إيمانه حتماً يرده عن التمادي في ارتكابه فيعود من قريب ويتخلص من هذا الخطأ، فإن ترك فضيلة فنبه إلى ذلك عاد إليها من قريب، ولم يتماد في تركها، وإذا أتى شيئا من القاذورات المسماة رذائل غلبه ما عرف من دينه فأسرع في التخلص منها، حتى لا يشهر بها، هكذا عرفنا الإيمان والإسلام، أثره على معتنق هذا الدين ظاهر بيّن، لا يحتاج إلى تدليل، ولكن ما يثير الاستغراب اليوم في زماننا هذا أن يدعي أحد العلم بهذا الدين الحنيف، وبل يعلن أنه من الدعاة إليه، الحريصين على التزام أحكامه وإنفاذ مقاصده والعمل على حسب قواعده، وهو يستعمل شيئا من الرذائل وهو يظن أنه بها يدعو إليه، تراه لا يوفر شيئا من السباب والشتائم لمن عصى الله أو ظن أنه يعصي الله، وما كان السب والشتم طريقا يعيد الناس إلى الطاعة،
فقد نهى الله أن يسب المؤمن آلهة المشركين فيسبوا الله عدوانا، ونهى سيدي رسول الله أن يلعن المسلم أو يسب ويشتم والديه وفسر ذلك بأنه يسب والدي من جعله خصما له فيسب هو الآخر والديه، فطهارة اللسان وبعده عن البذاءات من الفضائل التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم، فما بالك إذن بمن أدعى علما أو سمى نفسه داعياً، فهو من يجب أن يكون أكثر التزاما بهذه الفضيلة فلا يجري على لسانه إلا ماهو طيب من اللفظ،
وكذا لا يأتي من الأفعال ما يؤاخذ عليه، فلا يتدنى في سلوكه حتى يماثل ساقطي الأخلاق ممن أضلهم الله وأعمى بصائرهم، فالعالم الحق يسعى لهداية الخلق، يدعوهم إلى الله، ويصبر على أذاهم في سبيل ذلك، فلا يسعى إلى السلطان ليؤذي أحداً من الخلق وإن ظنه عاصياً أو ظنه مخالفاً له، ولا يؤذيه بيده ولا لسانه، فالعلماء دعاة لا قضاة، ومتى ما تمثلوا الفضائل في سلوكهم، ونفوا عنها الرذائل أقبل الناس عليهم وسمعوا منهم النصح فاستفادوا عودة إلى الله وعملاً بما أمر وانتهاء عما حرم،
ويفزع الإنسان اليوم وهو يسمع في بلدان إسلامية من فوق منابر بعض المساجد أو في المحافل وعلى شاشات الفضائيات ألفاظاً أقل ما يقال عنها أنها بذيئة سوقية ممن يدعون أنهم علماء دعاة، بل وتسمع تهماً بالزنا وشرب الخمر لأناس بأعينهم، تذكر أوصافهم فيعلمهم الناس وإن لم تذكر أسماؤهم، وما شرع الله من هذا شيئا أن يكون وسيلة لدعوة الناس إلى الدين، وقد إزداد هذا الأمر شيوعاً اليوم في البلدان التي مرّ بها الربيع العربي، ففي مصر اليوم قنوات دينية خاصة تبث على مدار الساعة تسمع من خلالها هذه البذاءات، لا ينقطع سيلها، وقد يقول قائل إنها ردة فعل على هجوم تقوم به تيارات أخرى معارضة لهذا التيار الذي أسموه إسلامياً، ونقول لهم إن الداعي هو من يصبرعلى أذى الناس في سبيل أن يبلغهم الخير ويدعوهم إليه، لا أن ينفرهم منه بما يفيضه عليهم من سباب وشتائم وتهمة لو قدم بسببها إلى المحاكم لما استطاع أن يأتي ببينة عليها، أن سلوك هؤلاء أبعد ما يكون عن حقيقة الدين، فالحق لا يسعى إليه بالباطل، ولا يقام حق بوسيلة هي محرمة في الشرع ومن الكبائر كاتهام الناس بالزنا أو الفسق أو السرقة وما شابه ذلك،
فالزاني والفاسق والسارق يقدم للمحاكمة فإذا ثبتت جريمته عوقب، وإن لم تثبت عوقب من اتهمه بكل هذا، فهل يدركون هذا، هو ما أرجو والله ولي التوفيق..