لاشك أن الرواية فن من فنون الأدب الراقي، يتيح للأديب مجالاً واسعاً يجول فيه ويصول، فتراه حينًا يتخذ من التاريخ وسيلة لرواية عظيمة الشأن تستحضر ألواناً من الشخوص يلبسها الراوي أردية مختلفة الألوان والأوضاع وتراه أحياناً يسلك في روايته ما يستحضر فيه أحداثًا مرت به في سيرته الذاتية، ورواة استحضروا من سيرة وطنهم ألوانًا ساحرة، ترى فيها عظمة أوطانهم، والعباقرة من الرواة أبدعوا روايات أصبحت مثالاً لأدبهم، يشتهرون به بين الأمم، وفي مصر جريدة لأخبار الأدب أنشأها أستاذنا الفاضل جمال الغيطاني عام 1993م، لتكون جريدة تلاحق أخبار الأدب والأدباء، وكانت في عهده -رحمه الله- الجريدة التي يتابعها المهتمون بشؤون الأدب وفروعه المختلفة، وهو الأديب ذو الإنتاج الغزير، وهو من كتب الرواية واهتم بالآثار الإسلامية في القاهرة، ولا أظن قارئًا بالعربية لا يعرفه وقد استمرت صلتي بها حتى وفاته رحمه الله، اهتمامًا مني بكل ما ينتج، وكان يستكتب فيها أبرز الأسماء الأدبية مثل سعدي يوسف، ومحمد عفيفي وخيري شلبي، ومحمد البساطي، وأحمد عبدالمعطي حجازي، وعبدالعزيز المقالح ومحمد إبراهيم أبوسنة وفاروق شوشة وبهاء طاهر، وكثير غيرهم، وكنت أعلق أحيانًا على صفحاتها قبل مرضي، وكنت حريصًا على لقاء الأديب البارز رئيس تحريرها كلما زرت القاهرة، فأنا من المعجبين بكتابته، فلما توفي أسندت رئاسة التحرير فيها لمن لا يعرف له نتاج أدبي ذو قيمة فنية، وأخيراً تفجرت قضية أدب ساقط لأحد من انضموا إليها أخيرًا، والذي كتب رواية سماها «استخدام الحياة» يتحدث فيها عن نوع حياة لشباب فاقد الوعي، ومن يقرأ الفصل الخامس الذي نشرته الجريدة بعد أن أحيل الكاتب للمحاكمة مع رئيس التحرير سيصاب بغثيان لهذه الحياة التي يدعو إليها هذا الشاب المتفلت من كل قيد، ليعبث فيتعاطى المخدرات ويروي لك ما يتم في سهراته من عبث، ويستخدم من الألفاظ لوصف تعاطيه مع مجموعته للحشيش ومواد أخرى مخدرة وللجنس بأبشع ألوانه الحيوانية، فلما انزعج الفضلاء من الخلق لهذا الأسلوب القذر وأحيل الكاتب ورئيس التحرير قامت الدنيا ولم تقعد واستمعنا لمن يدافعون عن هذا اللون من القذارة، ولا أظن أحداً منهم احتمل قراءته، ولا أظنه يقدم هذه الرواية ليقرأها أبناؤه وبناته، وإنما هي مماحكات سياسية رغم أن من قدم اعتراضه على الرواية للقضاء لا صلة له بالحكومة، ولكن القوم فقدوا الوعي، ورأوا في القذارة لفظًا ومعنى وانحطاطاً أسلوب إبداع، ولا أظن متعاطيًا للمخدرات سلبته وعيه فأتى من الرذائل ما أتاه إلا قادراً على وصف ما أتى من الرذيلة على الصورة التي وصف بها الكاتب ليلته السوداء مع جماعة لا تعرف الخلق فتأتي ما تشاء من أفعال قذرة، وليقول من كتبها أنها خيالية، وهل خياله لا يعرف سوى هذه القذارات، فهي كامنة في رغباته وساع إليها بكل وعيه، وسواء أكانت خيالاً أم واقعاً فإتيانها ووصفها على هذه الصورة المكشوفة لا يقدم عليها إلا من هو لو أتيحت له لفعلها، وإن الأدب إذا لم يسمُ في الوصف حتى لو كان الأديب يتحدث عن صلته بالأنثى التي يحترمها ويأبى أن يصف فعله معها بأقذر الألفاظ إلا إذا كان يتوق لفعل مثل هذا مع الساقطات في ليال يكتنفها السواد، ومهما حاول مؤيدوه أن يقولوا إن هذا إبداع فلن يسمع لهم العقلاء، فما هذا إلا انحطاط خلق بلغ أسوأ درجاته، ولك الله يا مصر، فقد كنا نرى فيما يكتبه أدباؤك العظام، ونحتفي باقتنائها وقراءتها، وقد عدت لتجليات الغيطاني، ولروايته الزيني بركات، وأوراق شاب عاش منذ ألف سنة وكتابه عن الحكيم ودفاتر التدوين، وسفر البنيان، ومتون الأهرام وشطح المدينة، ورسالة في الصبابة والوجد، لك الله يا جمال قرأنا في مؤلفاتك أدبًا راقيًا وسمعناك تهمس في آذاننا بما تنتشي به أرواحنا فخلف من بعدك خلف حصروا أنفسهم في أسوأ ما في الإنسان من رغبات مجنونة قذرة، وأرادوا أن نشاركهم فيها وهيهات ثم هيهات، نعتذر إليك يا جمال، فقد ملأت دنيانا جمالاً وجاء بعدك من يريد أن يزيل الجمال الذي صنعت بتفاهات هؤلاء الذين لا يخرجون عن ليال الانحلال وتعاطي المخدرات، ندعو الله لك بما ترضاه لنفسك ونرضاه لك. عفا الله عنا وعنك.