الإحصاء في كل بلدان العالم له جهة تقوم به، بها عاملون متخصصون في هذا العلم، يُعهد إليهم بكل ألوان الإحصاءات التي تحتاجها الجهات الإداريَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة في الدولة، وتصدِّق عليها، فيأمن الناس ألاَّ تكون من جهات ذات أغراض غير نبيلة، تريد أن تقنع بواقع هو مجرد خيال، يُراد به أن تُعاب جهات مخصوصة، سواء أكانت إداريَّة أم اقتصاديَّة، أم اجتماعيَّة، ونجد أحيانًا جهات لا يمكن أن تقوم بالإحصاء في دولٍ مستقلة ذات سيادة، إلاَّ لو طلبت تلك الدول منها ذلك، مثل الجهات الدوليَّة التابعة لهيئة الأمم المتحدة، وهذه الجهات إن ادَّعت أنَّها أجرت إحصاء في دولةٍ ما من دول العالم، لم تأذن لها به، ولم تباشره تحت عين وبصر الدولة، فهو مجرد ادِّعاء لا يدعمه دليل، أمَّا هذه المعاهد والجمعيَّات الأهليَّة المنتشرة في العالم، وتدَّعي أنَّها قد أجرت إحصاءً في هذه الدولة أو تلك، فإن ذلك لا يُقبل منها إلاَّ أن تبرز إذنًا مكتوبًا من الجهة التي تقول إنَّها أجرت إحصاءً فيها، وفي كثير من الأحيان تقوم جمعيَّات أجنبيَّة بجمع معلومات عن دولة ما، بقصد الإساءة إليها، بالزعم أنَّ فيها انتهاكًا لحقوق الإنسان، معتمدة -كما تزعم- على شهادات أناس يدَّعون أنَّ حقوقهم انتُهكت، ويراسلونها، أو يسافرون إليها، وهي حتمًا لا تستطيع أن تثبت لهم مصداقيَّة، ولكنَّها -وللأسف- تحاول تشويه سمعة هذه الدولة، أو تلك عبر ما يقولون، أو ما تقوِّلهم إيَّاه، وأصبح كمُّ التقارير التي تتحدَّث عن انتهاكات حقوق الإنسان كمًّا كبيرًا لا يمكن لأحد أن يتتبَّعه ليثبت أنَّه صحيح، والكثير منه مصنوع من أجل الضغط على دول لا ترضخ لهيمنة عليها، فيكون نصيبها التشويه الدائم إعلاميًّا عبر وسائل متعدِّدة، ومن أهمها دعاوى انتهاك حقوق الإنسان، حتَّى أنَّه لم يبقَ في العالم كلِّه مَن لم يكتب عنها تقارير عن حقوق الإنسان، حتَّى تلك التي تزعم أنَّها تحمي حقوق الإنسان عبر العالم كالولايات المتحدة الأمريكيَّة، وأصبحت -وللأسف- حقوق الإنسان من وسائل الضغط السياسيّ على الدول الأضعف بصفة دائمة، كما كانت الديمقراطيَّة، ورغبة دول كبرى كما تزعم في نشرها حول العالم وسيلة أخرى تهدد بها الدول، وتأتي التقارير تباعًا عن غيابها عن هذه الدولة، أو تلك من أجل إساءة السمعة، وحتَّى ترضخ لمطالب غير معلنة، وهو الأمر الذي جعل الشعوب تنتفض ضدَّ هذا اللون من الضغط، وتقف مع حكوماتها حتَّى وإنْ نالها منها ظلمٌ، ذلك أنَّ استخدام هذه الأشياء كوسائل لإرغام بعض الدول للانضمام إلى مجموعات دوليَّة تؤسّسها الدول الكبرى، وتجعل منها مخلب الافتراس لتلك الدول؛ لتلغي مواقفها المبنيَّة على إرادتها، وما تسعى إليه من أجل مصالحها، وهي -أعني الدول الكبرى- تحاول تحقيق مصالحها، وإنْ كانت غير مقبولة عالميًّا على الدول الأخرى، وعبر حرب شرسة ضدَّها من أدواتها حقوق الإنسان وتقاريرها، والديمقراطيَّة وتقارير غيابها، حتَّى أنَّ القانون أصبح لعبة الكبار، فحكم الإعدام على جرائم معيَّنة أصبح عدم الالتزام به مطلب دول كبرى تمارس به ضغطًا على شعوب أخرى، رغم أن هذه العقوبة من العقوبات الرادعة عن الجرائم الكبرى وأقرَّتها الأديان، وأسفي أن كثيرًا من المبادئ الهامَّة أسيء استخدامها في عالمنا المعاصر، وسُيِّست من أجل المصالح لا من أجل تحقيق العدل الذي هو المطلب الأسمى للبشريَّة عبر العصور، ومبدأ المساواة والذي هو من أعظم المبادئ الإنسانيَّة أصبح لا يعني إلاَّ المساواة بين الأقوياء فقط، وحرَّمته السياسية على الشعوب الأضعف، فهلَّا انتفض العالم ضد تجريف القيم بحسب ما تريد القوى العظمى؛ لتستقيم الحياة للجميع؟ هو ما يجب أن يسعى إليه العالم. والله ولي التوفيق.